بخدمة إمام اليمن عدد من السوريين والأتراك، وعند عودتهم إلى بلادهم أفضوا بتصريحات إلى رجال الصحافة الذين كانوا يتطلعون لأخبار اليمن. ورغبة في ري ظمأ العالم المفكر عن أخبار اليمن، استخرج من بين طيات المخطوطات الأب أنستاس ماري الكرملي كتاب (بلوغ المرام) للعرشي ونشره (طبعة مصر سنة ١٩٣٩) وهو يصل بتاريخ اليمن إلى سنة ١٩٠٠. على أن القسم الخلاب في ذلك الكتاب هو الفصل الممتع الذي كتبه نيافة الأب بقلمه عن الدولة الحديثة، معتمداً فيه على الكتابات والجرائد المعاصرة. ومع ذلك فإن القارئ يسترعيه لأول وهلة رجوع الأب أنستاس، في كثير من المواضع، إلى مؤلفات الجغرافية في القرون الوسطى؛ فالمعلومات التي جمعها ابن حوقل، أو المقدسي، أو ياقوت ما زالت تقتبس سداً للنقص الذي في المعلومات الحديثة عن اليمن، على حين أن الحمداني - وهو دائرة معارف عن جنوبي بلاد العرب - ذو نفع لنا لا يقدر. وقد أخرج نيافة الأب أنستاس الجزء الثامن من كتابه (الأكليل) مطبوعاً شافياً. ولم يفتأ رجال الأدب يعلنون حزبهم على فقد الأجزاء الضائعة من ذلك السفر، غير أنه ينبغي لنا ألا نفترض ضياعها لمن سيأتون بعدنا، فإن الريحاني يقرر أن الإمام عنده نسخة كاملة للكتاب في مكتبته بصنعاء، وهي مكتبة يقال إنها إحدى كبريات المعاهد التي من هذا القبيل في الجزيرة العربية، ولو أن هناك كذلك مجموعات فاخرة من الكتب في حوزة أمراء حضر موت. والحق أنه يجدر بنا أن نؤمل أملاً غير ضائع في أن كثيراً من الكتب المأثورة، التي لم يصل إلينا علمها إلا من كتاب (الفهرست) أو كتاب (كشف الظنون)، ربما كشف عنها البحث في جنوبي الجزيرة العربية. ويشغل بجمع هذه المخطوطات في اليمن سيف الإسلام عبد الله المشهور بولعه بشئون التربية. وقد سمعت من يخبرني بأن مصاحف بالخط الكوفي القديم كانت لا تزال تستعمل في القرى النائية حتى عهد غير بعيد. وربما أحل انتشار المطبوعات مصاحف مطبوعة محل تلك المخطوطات، فاليمن اليوم تتطور تطوراً ربما كان أعظم من أي تطور شاهدته من خلال عدة قرون مضت.
أنواع الأدب القديم السائدة في الجنوب الغربي لجزيرة العرب
يجنح الأدب في الجنوب الغربي العرب، بصفة عامة، إلى أنواع ملموسة ما تزال واضحة في كتابات العصر الحاضر، وخاصة فيما يتعلق بأغراض الأدب أو موضوعات الكتابة.