الأغاني ' , من الذي لا يهوي سماع السمفونيات والتانجوات وغيرها؟ ومن منا لا يطرب اليوم للموسيقى الغربية؟ ومن منا لا يحب بتهوفن وباخ؟ وهل للقطع الموسيقية التي يحفظها الشرقيون من الغرب عد أو حصر؟ ليست القضية قضية موسيقى غربية أو شرقية، وإنما قضية موسيقى تؤثر في النفس وتلمس أوتار القلوب؛ وفي الشرق والغرب من هذه الموسيقى الشيء الكثير! أما أنا لن نطرب الإفرنج بغنائنا، فليس ذلك عائداً إلى أن غناءنا - ولا سيما الحديث منه - ليس بالغناء الجميل، وإنما لتقصير وسائل بث هذا الغناء وتنشره والدعاية له في أوربا، كما يفعل الغربيون بفنونهم. ولكن الأمر الذي يظلُّ موضع النظر، هو الأغاني (المحلية) البحت، التي لا يستسيغها عادة إلا أقوام وعشائر معينة لا يمثلون أمة بكاملها أو شعباً بكامله. والواقع يدل اليوم على أن هذه الأغاني ليس لها من الشيوع مثل ما للأغاني غير المحلية. وقليلون هم الذين يؤثرون الأولى على الأخرى. وهذا راجع - في اعتقادنا - إلى أن الأغاني المحلية تتصف بالرتابة والترديد الباعث على الملل، وإلى أن لها (جوها) الخاص، وأن ليس لها نفس الحلاوة والجمال في جو غيره. وقد يكون من الصحيح أن الأغاني المحلية ستندثر يوماً ما بداعي التطور.
وظاهر من مقال الأستاذ الطنطاوي أته يؤثر هذا اللون من الغناء على غيره. فهي إذن هواية خاصة لا تبرر له أن يُعرَّى ألوان الغناء الأخرى من القيمة أو من الجمال. وما دام الأستاذ قد ذكر الجندول في معرض الإنكار أو الكراهية، فلا بأس هنا من أن نساجله القول؛ فليس من ريب في أن فن الأستاذ عبد الوهاب قد سجل تحولا جديداً في الموسيقى العربية الحديثة يوم غنى الجندول من تلحينه، ولا اذكر أن أحداً من رجال الفن أو الأدب أو السياسة أو حتى الفلسفة. . . وقف من هذه الأغنية الموقف الذي يقفه الأستاذ الطنطاوي اليوم! ولو أنه استشهد بغيرها من أغاني المطرب المعروف لكان الخطب أيسر! ذلك أن هذه الأغنية أروع ما انشد عبد الوهاب، ولن تتماسك أمامه أية أغنية من أغانيه أو أغاني غيره في معرض المقارنة. ذلك أنه بلغ غاية التوفيق في تلحينها: في اقتباس بعض مادتها من موسيقى الإفرنج وإضفاء الروح الشرقية الحالمة على ألفاظها ومعانيها. ولو أنه اجتزأ بأحد هذين العنصرين فحسب، لعرّيت الجندول من قسط كبير من روعتها.
وقصارى ما أود قوله في هذا المضمار - ولو أني أعتمد فقط على تذوقي للموسيقى دون