أن أكون من رجالها - أن تلقيح الأنغام العربية بالموسيقى الأوربية يرفع من شأن موسيقانا الحديثة إلى حد بعيد. فحسبنا من تلك الأدوار القديمة التي بليت، وكفانا ذلك الترديد والرتيب الممل للكلمات بل للأحرف، وقد شبعنا كلُّ الشبع من أدوار صالح عبد الحي وعزيز عثمان وعبد الله الخولي وإضرابهم!. . .
ويظهر أن الموسيقيين المصريين قد أدركوا في المدة الأخيرة أن التقيُّد بالقديم من الألحان مؤخر النهضة الفنية، وصارفٌ الجيل الجديد عن القديم، فإذا هم يعمدون إلى ألحان يستحدثونها أو يقبسونها من الأنغام الأوربية، فيسيرون في هذا المضار شوطاً بعيداً. ولا سبيل اليوم لأحد أن ينكر أن الهواة وغير الهواة من المستمتعين يؤثرون ألحان عبد الوهاب على غيره من الموسيقيين القدماء. ونحن في الحق نعتمد - في نهضتنا الموسيقية الحاضرة - على عبد الوهاب والسنباطي والقصبجي ومن بعدهم على فريد غصن، وفريد الأطرش، وعبد العزيز محمود، وغيرهم كثير.
وإن الدعوة التي يدعو إليها الأستاذ الطنطاوي لدعوة مضرة بالموسيقى والغناء الحديث إن هي اتبعت، ونخالها لن تتبع. هذا وإن الغناء الحديث قد أرتقي - في اعتقادنا - ارتقاء كبيراً بالنسبة للغناء القديم، إذ أنه خلا من الترديد والتمطيط، فليس اليوم من مغن يسلخ خمس دقائق في أداء (آه. . .) تتبعه الجوقة فينقلب الغناء إلى جو من النعيب! كما أن الغناء الحديث أصبح أرشق أداء وارق لفظاً وأحياء روحاً من الغناء القديم، وإني أرى فيما اتهم به الأستاذ الطنطاوي المطربين المحدثين - جميعاً!. . . - شيئاً من التعسف. وإليه على كل حال تحيتي الصادقة والسلام.