وألقى بها قبل عزفِ النشيدِ ... فنامَ بها الوترُ الناغم
وسَلْسَل فيها نشيدَ السماء ... سَنًى خاطفٌ وندىً ساجم
فيا شاعراً عافَ قيثاره ... فزورقُه موحِش سَاهم
لقد كان يُلهمُ أوتارَها ... وينطقها روحه الهائم
أيلْهُو بزورقهِ بعدها ... أَما شاقه عهدها الناعم؟
رسا زورقي، هلْ رَسَا واطمأنَّا؟ ... وقد هَدأَ الليلُ طيراً وغصناً
وداعبَه الموجُ في الضَّفتْينِ ... وسَبَّح في الشطَّ ناياً ولحناً
أيَحْيا هُنا خشباً جامداً ... وقد عاش بالأمس روحاً وفناً!
لقدْ هادنتْهُ رياحُ العَشىَّ ... فهل ستظلُّ سلاماً وأمنا؟
أقامَ هُنا كالطَّريد السليم ... وضَمَّ إليه الطريدَ المعنَّى
طريدانِ سَارا النهارَ الطويل ... إلى أن مَضَى نورُه واستنكنا
فخافا ضلالَ الطريق البعيدِ ... وناما بليلهما حينَ جنا. . .
فمنْ لَكَ يا زورقي ها هنا؟ ... وقد سكن الكون حسَّا ومعنى؛
رسا زورقي غارقاً في الظَّلامِ ... وقد شَردَ النجمُ فوقَ الغمام
ونامتْ على الشطَّ أمواجُه ... فأقفرَ من رُوحِها المستهام
أتغْفُو وقد شاقَهُ صحوُها ... أمَا سئمتْ طولَ هذا المقام؟
أما شاقَها زورقي سابحاً ... فتجرْي به سبحةً للأمام؟
لقدْ أوشَكَ الليلُ أن ينجلي ... وتهتفَ أطيارُه بالنَّيام
دعِ اللْيلَ يا زورقي ... وجدِّف على موجةٍ من هيامي
بدا النَّورُ في الأفق فاسبح له ... فإني سئمت حياة الظلام
ظمْئتُ إلى الفجِر يا زورقي ... أما آن لي أن أندَّى أُوامي؟
رسا زورقي عند فجرٍ سَنىَّ ... فصافحه بالشُّعاعِ النَّدىِّ
وأَطْلقَ صدَّاحَهُ هاتفاً ... يُرحِّبُ بالزورق العبقريِّ
فحوَّمَ مُستلْهماً سرَّة ... ورفْرفَ فوق الجبين الوَضِيّ
هُنَا شاعرٌ سابحٌ في رؤًى ... مجنّحة في خيالٍ سرىّ