تَوسّدَ زورقَه مضجعاً ... وأغْفَى على صدْره كالصَّبيّ
فأيقظَهُ الطيرُ من حُلْمِهِ ... وغَنَّاهُ لَحنْ النشيد الشجيّ
وأجْفَلَ من نايهِ عاطلاً ... كما يُجْفِلُ النور عند العَشِيّ
غدا زورقي هاهنا معبداً ... يَضُمَّ حُطامَ، الشهَّيد الوفيّ
رسا زورقي بعد عصف الرياح ... وهبَّت عليه سَمُومُ الصباح
وعادَ إلى عُشَّةِ طائري ... صريع الأماني، ذليل الجناح
شَدَا في الغصون فأنكرْنَه ... وقد كانَ ملْء الجواء الفساح
جَفَا الروضُ شادية العبقريَّ ... وماتَتْ أغانيه بين الأقاحي
حَنانَيْك يا طائري لا ترَعْ ... جراحُك يا طائري من جراحي
لئِنْ بَرمتْ بك تلك الغصونُ ... فعش بين تلك الربُّا والبطاح
فَلمْ يعد الزهرُ ملكَ الطيور ... ولا وارفُ الظلِّ بالمستباح
سَراحك؛ حسبُك أن يطلقوه ... متى يطلقون الغداة سراحي؟!
رسا زورقي في الصَّباح الحزين ... فألقيْتُ مِجْدافه من يميني
وغبتُ عن الكون في رحلةٍ ... ترامي بها الوهمُ فوْق السنين
فمن عالم من بناء الزمانِ ... إلى عالم من بناء الظنون
سئمتُ خِداع التُّراب المهين ... فخلقْتُ فوق سَماء اليقين
عوالمها أطلقْتني سجيناً ... فواعجبَا للطليق السجين!!!
على قمة الدهر باتتْ قُيودي ... ممزقةً كالهشيم الدفين
وما راعني غيرُ تهويمةٍ ... تطِلُّ مع الصبح خلف الدُّجون
تَلفَّتُ أبحثُ عَنْ زورقي ... فألْفيتُ مِجْدافَه في يميني
رسا زورقي في انبثاق الضُّحى ... وأوْمأ للظَّل أنْ يَسرحا
وللشَّمس في الأفق أن تَعتلي ... وللطير في الروضِ أن يصدحا
وللغصنِ أن يرتوي بالنَّدى ... وللعُشِّ في الغصن أن ينزحا
وللروض أن يستفزَّ الطيورَ ... وللجدول الثرِّ أن يمرحا
وللزّهر أن ينفح الحالينَ ... وللطَّيف في الحُلْمِ أن يسنحا