للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

موقفه من زليخا يحذر مواضع الحرج جميعاً، وهذا لا شيء فيه؛ غير أنه جعل يوسف أمام المرأة وفي هذا الموقف الإجرامي أشبه بشخص عادي (كاد يضعف) لولا أنه كان واعياً حصيفاً يخشى أن تأخذه عين الرقيب مثلاً، أو يفجأه الزوج، وقد صدقت فراسة يوسف: إذ فجأة الزوج حين محاولته الإفلات لدى الباب. وهذا تصوير غير فني لإنسان هيأه ربه للنبوة، وكتب له العصمة من قبل ومن بعد. وأظن الأستاذ منساقا في هذا وراء ما يقال: من أن يوسف إنسان لم تفارقه نوازع البشرية، فهو كما يميل أي إنسان، ويكاد يضعف كما يضعف أي إنسان. وأظنه كذلك بحسب الآية في ظاهرها هذا إذ قررت أن المرأة همت به، وأن يوسف هم بها. وليسمح لي الأستاذ أن أنبهه إلى أن هذا فهم سطحي غير سديد، درج عليه غير الدارسين لقواعد اللغة، والمتساهلون ممن فسروا هذه الآيات.

ولو أنه لم يتابع هؤلاء فهمهم، ونظر نظرة استقلالية إلى التعبير لرأى بادي الرأي - وهو القوي الإدراك لأسرار القرآن - أن هذا توجيه لا يرضيه، وأن المقام أسمى من ذلك، وأن نوازع البشرية في يوسف كانت مكفوفة بالزهاد الدينية على الأقل (فضلا عن العصمة) على نحو ما ترى وتقرأ عن الأتقياء فضلا عن الأنبياء، ولو أن يوسف كاد يضعف وأنه تحرج للحصافة والوعي والحذر لكان الموقف منه أمام الله موقف عتاب، لا موقف تبرئة وتزكية بقوله سبحانه وتعالى (إنه كان من عبادنا المخلصين).

وفي سياق الآيات وألفاظها المفردة ما يتسع للنظر والوصول إلى ما أبديت. ولولا أن صفحات الرسالة لا تتسع للتطويل لأوضحت: وصاحب الكتاب في غير حاجة مني لأكثر من هذه اللفتة؛ وحسبه أن يراعي الوضع الترتيبي لكلمة - لولا أن رأى برهان ربه - فأن موقعها بين كلمتي همت وهم - وأن يتذكر ما تدل عليه كلمة لولا، وسيجد نفسه أمام نفي قاطع لوجود الميل والهم من يوسف. وكفى.

ج - مضى ذلك الردح الطويل من تاريخ الإسلام وقضية إعجاز القرآن ناهضة تضاءلت بجانبها جهود الباحثين، كما تحطمت على صخرتها جهود العابثين، ولم نر ممن كتبوا وعنوا أنفسهم واحداً يَمنّ على الناس بما قدم لهم، أو يغض من شأن سابقيه، وكنت أحب للأستاذ قطب أن يدع للناس تقديره وأن يلحظ ما لحظه الأولون من انه فوق كل ذي علم عليم، وأن الأيام ستطلع علينا وعلى الناس بالجديد في كل شيء فلا يغمز الأوائل بالتجهيل

<<  <  ج:
ص:  >  >>