وإذا تفتحت أجسامنا في صحة وقوة وجمال كما تتفتح الأزهار وتنضج الثمار، حملنا ذلك على أن نحب الحياة وتحبنا، مادمنا قد جعلنا عقولنا وقلوبنا كمناطق النمو التي في النبات، محفوظة من الآفات وعوامل الفساد. وإن كل تنظيم جسمي ومادي مما يكون في ذات الإنسان أو في مرافق حياته يزيد في ثقة الإنسانية بنفسها، ويوضح أسرارها، ويجلو امتيازها على غيرها.
وقد تدخلت يد الإنسان في نبات الحقول، ووزعت البذور بحيث ينال كل منها حظه وحقه من الماء والهواء والضوء، وتنبت أعواده متباعداً بعضها عن بعض بدون احتكاك وطغيان، وسهرت عينه عليها فحرستها من الآفات والجراثيم الضارة، فخرجت أعواده وأوراقه وثماره مخضلة وارفة راقصة، تعطي الأرض الجمال والنماء وسداد الاحتياجات.
وكذلك فعلت مع الحيوان، فأحسنت نسله وتخيرته ومنعت طغيان بعضه على بعضه؛ وروضته واستأنسته حتى صار منظره في المراعي والحظائر كذلك يعطي الأرض جمالاً ورواء ومنافع.
فما بال يد الإنسان لا تتدخل في مناطق نمو النفوس والأجسام الإنسانية بالتعليم والتهذيب والترتيب والتجميل، بل تركتها تنمو نمواً (شيطانياً) متطاغياً؟
ولقد أرى الوجه المشوه الأكمه المجدور القبيح المركب على جسم مهزول، والحامل للسان قذر وعقل ممسوخ، فأقول: هل يجوز أن تخرج ثمرة بطبيعتها إلى الحياة هذا الخروج؟! أم أن هناك اعتداء على عوامل التكوين والتجميل التي تولت إخراج هذه الثمرة منع عنها الصحة والجمال؟!
إنه اعتداء مسلسل في الأنسال المنحدرة في أجيال الجهالة والضلال. . .
فاسألوا الأمراض الخبيثة الوراثية، وسلوا الأغذية السامة، وسلوا الإهمال الشائن للأبوة والأمومة؛ ولا تتهموا عوامل التكوين الأمينة الدقيقة.
إن كفاح الحيلة الإنسانية في سبيل حفظ ذاتها كفاح هائل! فبرغم عوامل الفناء والدمار قد كثر عدد الإنسانية كثرة غصت بها أكثر بقاع الأرض خصوبة، وضوعف عدد كل أمة أضعافاً مضاعفة، وصارت مجموعات الناس وتشكيلاتهم أمراً لا يقاس به ما كان لهم في القديم. وهذا مما يدل على أن شجرة الحياة الإنسانية وفصائلها خلقت للنمو والصحة والقوة