للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والفكرة إذا جسمت في قالب دخلت باب الوجود الحسي، وصارت محلاً للتحسين والنمو والتجميل ممن يأتي بعد صاحبها الأول. أما إذا تركت حيث انبثقت فهي كائن موقوت من عالم الأطياف!

فيا رجال التصوف والشعر من كل جنس! لا تحاولوا أن تصرفوا الناس عن حياتهم المادية، فقد صارت جميلة معقدة منوعة مغرية ذات قيمة كبيرة وسلطان على النفوس؛ وحاولوا أن تفهموا أنتم وأن تفهموا الناس أن الدين جزء من الحياة، وليس منفصلاً عنها إلا في جزاءاته الموعودة في المصير الآجل المحتوم.

ومن السهل إفهام الناس ذلك في هذا العصر الذي اتسعت فيه أدوات الإقناع والتأثير.

اجعلوه امتدادا لأحلام الناس في السعادة والجمال الذي يفتهم من دنياهم، ولا تجعلوه حرماناً وخواطر وضعف تشاؤم وبكاء.

اجعلوا الأخرى صورة كاملة مضخمة دائمة من هذه الدار الناقصة الفانية

ومن السهل أن تجدوا من منطق العقل ومنطق الوجدان ومنطق القدرة العملية للإنسان حججاً للإقناع. . .

أيهما أوقع في النفس وأشد إثارة لابتهاجها بالحياة؛ وأدعى إلى الفرح بالإنسانية: أن نظهر الوحدات الإنسانية في حشود استعراضاتها النظمية والرياضية، ومواكبها الفنية التي تظهر جمال أجسامها وإشراق ديباجة الحياة بها. . . أم أن نظهرها في أفراد منثورة وزمر مبعثرة من الفقراء الضعاف العجزة الجهلاء المهزولين المكتئبين المتشائمين، الذين يقتلهم الصمت والعزلة والوحشة، قد طمست نظرة الحياة في وجوههم، وانطفأ نورها من عيونهم، وخمدت شعلتها في قلوبهم، وتعطلت أيهم من العمل، وأذهانهم من العلم فليس لهم مهارة في مهنة، أو أثاره من علوم الدنيا؟

لاشك أن رؤية استعراض عسكري أو نظامي أو رياضي كاف أن يقذف في قلوب المتشائمين شعلاً وشحناً كهربائية تردهم إلى الفرح بالحياة والحماس لها، وللمعيشة بالأجسام عيشة رحبة، إن كانوا ذوي طبع سليم يستجيب لعوامل الحياة.

أننا نستطيع أن نقول: أن أجسام الإنسانية ما هي إلا نبات، كماله وظهور أسراره والابتهاج به يكون عن طريق تصحيح أعواده وتقويتها وتجميلها إلى آخر حدود الصحة والجمال.

<<  <  ج:
ص:  >  >>