التنافس الطبيعي بين أفراد المهنة الواحدة، وليس ذلك معناه ألا يساعد زملاءه فيما يطلبونه منه، كلا بل الواجب عليه أن يكون كريماً. فإن كشف في بحثه نقطة تخص أحدهم فليبادر باطلاعه عليها لأن التعاون من روح البحث. وإن عثر على كتب أو نشرات تفيد أحدهم وجب إرسالها إليه لأن ذلك يبعث على توثق العلاقة ومحو التنافر وغرس المحبة والوئام بين أفراد يجب أن يكونوا أدعى الناس إلى التضامن في خدمة العلم والإنسانية.
وواجب البحاث لا يضايق إخوانه ولا يزعجهم بكثرة الأسئلة، لا يلح عليهم في الإطلاع على نتائج بحوثهم قبل نشرها، ولا يخشى الاعتراف بالخطأ فأن ذلك يقربه من الحقيقة، ولا بالضعف لأن ذلك يزيده قوة.
وعليه أن يجعل الأمانة والصدق وسيلة لبلوغ أغراضه فإن الغش والتدليس وطبخ النتائج والتهريج العلمي كلها عوامل تؤدي إن آجلا أو عاجلاً إلى موت أدبي محقق. فما التهريج إلا آلة الجهلاء وصناعة الضعفاء وهو آفة من الآفات التي تنخر في عظام الأمم التي لم تضرب بسهم وافر في المدينة الحديثة. فتراها متفشية في شتى المهن والحرف والصناعات دون زاجر نفسي أو قانوني وواجب الحكومات أن تعمد بشتى الوسائل لمحاربة هؤلاء الأدعياء الذين كثيراً ما يحتمون بمؤهلاتهم وألقابهم الضخمة فيسيئون إلى العلم والعلماء.
ولعل أحسن نصيحة للباحثين هي التي ألقاها البروفسور الروسي إيفان بافلوف مخاطباً الشباب الجامعي السوفيتي إذ قال:
(يجب عليكم أن تنموا ملكة النظام في عملكم لأن النظام في عملكم من أهم العوامل في الأبحاث العلمية؛ لذلك ينبغي عليكم أن تعودوا أنفسكم من مبدأ دراساتكم على جمع معلوماتكم بطريقة متتابعة منظمة. والواجب عليكم أن تتعلموا أبجدية العلوم قبل أن تتسلقوا جبالها فلا تقصدوا فعل شيء إلا بعد أن تمهروا في أداء ما يسبقه من الأعمال. والواجب ألا تخفوا نقص معلوماتكم بالتخمين والظنون والنظريات الجريئة، ويجب أن تدربوا أنفسكم على رباطة الجأش وحكم النفس والصبر والقيام بالأعمال العلمية الشاقة المضنية، فادرسوا وقارنوا وأجمعوا الحقائق؛ فالحقائق هي الهواء الذي بدونه لا يعيش العلم ولا يتسنى الوصول إلى حل المشكلات العلمية.
فبدون الحقائق تصبح نظرياتكم مجهوداً ضائعاً. ولكن ينبغي عليكم ألا تقنعوا بالحقائق