ويجب ألا يكون الباحث فضاً سيئ الخلق بل يكون كريم النفس سمحاً يرحم من دونه في المرتبة ويحترم كباره وأساتذته وذوي النصح له لأن قدره من قدرهم.
ويجب ألا يهاب تجشم المشاق في أبحاثه وألا يستهين بآراء غيره ومعلوماتهم مهما انخفضت مرتبتهم عنه فلكل فرد نصيبه من خبرة الحياة. وقد يستفيد أعلم العلماء من أقل الناس علماً.
ومن الأمانة ألا يغمط حق من سلفه في البحث وأن يعترف بفضلهم مهما قل أو ضؤل. وليتخذ التواضع في أقواله ومناقشاته ومناظراته ديدنا له فيحترم رأي مناظريه ولو كانوا بعيدين عن الصواب. وليعمل بقول الفيلسوف المصري القديم (بتاح حتب): - لا تكن فخوراً بعلمك، وأعط الجاهل والعالم قسطاً متساوياً من الاحترام.
والواجب على البحاث أن يكون صريحاً في كل أقواله وكتاباته غير هياب في الحق فلا يخشى المجاهرة برأيه ولو كانت نتائجه غير متفقة مع نتائج زملائه الذين يشتغلون في نفس موضوعه؛ فإن الحقيقة لا يحجبها مثل الجبن في الدفاع عنها ونشرها بين الناس وهي بنت البحث لا وصول إليها إلا بالمناقشة والمناظرة.
وينبغي ألا يخالف قوله فعله فلو كذب مقاله حاله ينفر الناس منه ولا يسترشدون به، لأن المقلد ينظر دائماً إلى حال المرشد وينبغي على الباحث أن يكظم غيظه ولا يخلط جده بهزله ولا ييأس إذا لم يقبل قوله وأن يكون مثالاً حسناً لزملائه ومرؤوسيه في الخشية والشفقة والإحتمال والحلم والصبر والتواضع وعفة اللسان واليد والاشتغال بمصالح عمله وإفادة الغير بعلمه وخبرته دون انتظار شكر أو جزاء.
وليعلم الباحث أن من وضاعة الخلق وضعف النفس أن ينشر بحثاً يبنيه على آراء ونتائج أسرها إليه أحد زملائه أو حصل بطريقة غير شريفة كاستراق سمعه لمناقشة، أو أن ينقل إليه ناقل تفاصيل تجربة رآها، فإن نشر وجب عليه أن يعنعن أي يذكر من أخذ عنه. وليجعل الباحث لنفسه في نظر نفسه قيمة قبل أن يكون لعمله قيمة، فاحترام المرء نفسه يوجب احترام الناس له. وليربط لسانه عن التفوه بنتائج بحوثه لمن يشتغل في نفس موضوعه قبل نشرها لأن ذلك يحفظ له حق الأولوية ويقلل من سوء التفاهم الناشئ عن