وقد أخذت فرق هذه الجيوش تزداد بتشعب العلوم وتقدمها إلى أن عمت كل مرافق الحياة الحديثة، فأصبح لكل مهنة وحرفة وصناعة معاهد للبحث خاصة بها ومؤتمرات دولية يعقدها أفرادها لمناقشة دراساتهم ونتائج بحوثهم، فأصبح كل مصنع من المصانع الحديثة مزوداً بمعهد للأبحاث كامل العدة يقوم فيه اختصاصيون يجرون البحوث للتوصل إلى رقي هذه الصناعة وتقدمها تقدماً يضمن للمصنع خاصة وللبلاد عامة التفوق في جودة منتجاته وسرعة إنتاجها مع رخص ثمنها وذلك لكسب معركة التنافس. وهم ينشرون نتيجة بحوثهم في نشرات ومجلات علمية تتناول في جميع أصقاع الأرض. ومن أمثلة ذلك معاهد البحوث الخاصة بصناعة البيرة والشوكولاته والخبز والصناعات الزراعية على اختلافها كحفظ الخضر والفاكهة واللحوم والألبان ومشتقاتها بالوسائل المختلفة التي من أحدثها التجفيف. ناهيك عن معاهد البحوث في كافة صناعات التعدين والآلات وغيرها وبناء المساكن الحديثة والطائرات والسيارات وكل ما يؤدي إلى رفاهية الإنسان ورفع مستوى معيشته.
ونتج عن التخصص في البحوث أن أصبح لكل مهنة وحرفة وصناعة اختصاصيون ترجع إليهم الحكومات والهيئات في حل مشاكل الحياة الحديثة وتعتمد عليهم في تسيير دولاب أعمالها.
الشروط الواجب توفرها في الباحثين
يجب لكي تنجح البحوث وتأتي بثمارها المطلوبة أن يقوم بها أناس يتوفر فيهم: حسن الخلق، وغزارة المادة العلمية، وقوة الملاحظة والقدرة على الاستنتاج، والقدرة على تصميم التجارب وتنفيذها واستخلاص نتائجها، والقدرة على ترتيب النتائج وإعدادها للنشر، وحسن علاقة رؤساء البحوث بمرؤوسيهم.
أما حسن الخلق فأن كتب العرب تفيض ببحار من آداب البحث وشروطه، والواجب علينا أن نعمل بها ونسير على منهاجها؛ لأن البحث أمانة في عنق الباحث هو مسئول عنها أمام ربه وضميره. لذلك يجب عليه أن يكون متفرغاً بقلبه لبحثه غير ملتفت إلى سواه، وأن يكون محباً للعلم صدوقاً منصفاً بالطبع متصفاً أكثر من غيره بالفضيلة والصدق والأمانة في أقواله وأعماله، لأن فضيحة البحاث إن هوى عظيمة وسقطته إن كبا مميتة، فالحق لابد