للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الصناعة وعرضت الثالثة لحياة الكاهن وموته. وعلى هذا الحائط تظهر عظمة صاحب المعبد. فهو لم يكن كاهنا عادياً، رجلاً تقياً ورعاً يحج إليه الناس من كل مكان فيأتيه اليونانيون والرومانيون ليحصلوا على بركته وليعبروا له عن إعجابهم بسجاياه، يمتدحون جليل أعماله، ويطنبون في حسن معاملته لأعوانه.

ومن الظواهر الجديرة بالتسجيل على ذلك الحائط منظر أولاده الأربعة وبناته السبع وقد احتلوا أماكنهم في صف واحد مرتين تبعاً لأعمارهم فلا يسبق الغلام الفتاة ولا الفتاة الغلام. ففي المقدمة الابن الأكبر وفي النهاية الابن الأصغر وإنك لتلحظ فيهم اختلاف التقاطيع وتشابهها كما تلحظه في أبناء أية أسرة. وإنك لترى في تلوين البشرة سمارها في الذكور وبياضها في الفتيات، كما تلمس أماراة الرجولة في الشبان وعلامات النعومة في الفتيات وإن امتياز الجميع بقاماتهم الفارغة الممشوقة.

ومات الكاهن الورع، فقدمت الوفود من كل مكان. وسار الكهنة في موكب جنازته يسحبون العربة التي تحمل جثته وترفرف فوق رؤوسهم أعلام بلادهم، فهم لم يأتوا كأفراد فحسب، بل قدموا كممثلين لبلادهم وليعبروا عن مكانة الرجل في ديارهم.

يوم الحساب

والموت في عرف المصريين القدماء مواصلة الحياة ولكن في الدنيا الآخرة أو عالم الخلود. وليس الوصول إليه من الأمور الهينة ففي طريقه حساب عسير لا يكتفي فيه بالمظاهر بل يوزن فيه الإنسان ومبعث خيره وشره.

فإذا انتقلنا إلى الحائط الأخير وجدنا روح الميت بين أيدي الآلهة تقدم حسابها فتذكر أربعين سيئة لم يعملها الميت في حياته ثم يترافع أمام مجمعهم مبيناً حقه في الحياة الأبدية. إلا أن الآلهة لا تؤخذ بالأقوال فيزنون ما في قلبه من شر. فان وازن ريشة (معان) إلهة العدل أدخل الجنة. وإن زاد عنها ألقي إلى حيوان ضخم يلتهمه ثم يندفع به في حياة الظلمة.

ويربط هذا المعبد بين الفن المصري والفن اليوناني. فهو مصري في جميع نقوشه وتفاصيله إذا استثنينا طريقة الدفن. فالمتبع في المقابر المصرية أن يكون مرقد الميت إلى اليمين. فكان في هذا المعبد في بئر عميقة في وسطه طبقاً لطقوس ذلك العصر. وفي سقف المعبد فوق البئر فتحة صغيرة لوحظ أن الشمس تسقط منها إلى اسفل البئر فتضيء المكان

<<  <  ج:
ص:  >  >>