فتلك قضية أخالفه فيها فيما يختص بالجمال الفتى في القرآن. لقد أثنيت ما استطعت على رجلين اثنين: عبد القاهر والزمخشري. وعرضت نماذج من حسن فهمهم - المحدود بحدود الزمان - لبعض الجمال الفني في القرآن وهذا كل ما يطلب مني. . . وأحب أن أقول بعد هذا: إنني - فيما يختص بالجمال الفني - لم أبن من حصيات أحد. . . وهذه حقيقة تاريخية كذلك لا أرى أن تقديرنا للقدامى يكفي لإنكارها. ومن الأمانة للبحث العلمي ألا نبخس الناس أشياءهم. . . ولكن من الأمانة كذلك ألا نعطيهم فوق ما يستحقون.
ثم أخلص إلى القضية الأساسية. قضية يوسف:
يتحدث الأستاذ عن تصويري ليوسف بالأستاذ إلى ما ورد عنه في القرآن بأنه الرجل الواعي الحصيف، واستشهادي بإبائه على مراودة امرأة العزيز، وقولي (ومع ذلك لقد كاد يضعف) فيقول:
(وهذا تصوير غير فني لإنسان هيأه ربه للنبوة، وكتب له العصمة من قبل ومن بعد. وأظن الأستاذ منساقاً في هذا وراء ما يقال: من أن يوسف إنسان لم تفارقه نوازع البشرية، فهو يميل كما يميل أي إنسان ويكاد يضعف أي إنسان وأظنه كذلك يحسب الآية في ظاهرها هذا إذ قررت أن المرأة همت به وأن يوسف هم بها، وليسمح لي الأستاذ أن أنبهه إلى أن هذا فهم سطحي غير سديد). . .
وأنا بدوري أحب أن أقول للأستاذ: إنني أخالفه فيما أتجه إليه. وأن هذه قضية مدروسة جيداً عندي - وإن لم أتعرض لها بتوسع في كتابي - لأنها من مباحث كتابي آخر أعده الآن عن (القصة بين التوارة والقرآن). والمجال لا يتسع هنا للتفصيل إلا أن يشاء الأستاذ وقراء الرسالة أن أعرضها كاملة.
ولكن هذا لا يمنع من بضع كلمات:
لقد كنت حريصاً في تعبيري فقلت:(كاد يضعف) ولم أقل إنه ضعف فعلاً. وليس في هذا ما يخالف العصمة في اعتقادي. فالعصمة لا تقتل النوازع البشرية، ولكنها تقيم حولها الحواجز، وتجعل الروادع في النفس أكبر من الدوافع. . . وهذا يكفي
ولقد عصم الله يوسف، فجعله يكافح النوازع البشرية وينتصر عليها في اللجنة التي لا ينتصر فيها إلا أولو العزم. وإن هذا ليكفي ليقال عنه في القرآن: (إنه كان من عبادنا