للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المخلصين).

وغير يوسف أنبياء مخلصون: منهم موسى ويذكر القرآن أنه قتل رجلاً ثم تاب فتاب عليه الله. وداود وسليمان ويذكر القرآن أنهما قد فتنا ثم استغفر وأنابا. . .

فالعصمة النبوية مسألة تحتاج إلى أفق أوسع في النظر إليها. ولست ممن يميلون إلى أنها التجرد من جميع النوازع البشرية وإن كنت أومن بأنها الانتصار على جميع النوازع البشرية.

ونفي الهمّ عن يوسف - بالمعنى الذي يريده الأستاذ - يحتاج إلى تأويل النص الصريح، وأنا أنفر من التأويلات التي لا يدعو إليها إلا الغلو في التخرج. وإن دراستي لطريقة التعبير في القرآن لتبيح لي أن أقول: إن للنص القرآني معنى واحدا في كل حالة. وإن الاحتمالات المختلفة التي يرويها المفسرون للنص الواحد، إنما تتوارى مع شيء من التدقيق ليبرز منها احتمال واحد هو الذي يتفق مع طبيعة التعبير القرآني. وهذه مسألة لا يكفي الفراغ المتاح لشرحها اليوم. فقد أقوم ببيانها بتوسعه إذا وفقت.

على أن هناك عدة احتمالات في موقف يوسف:

١ - فهل العصمة النبوية قبل الرسالة وبعدها؟ أم بعد الرسالة فحسب؟ هذا مبحث طويل.

٢ - وهل حادثة يوسف كانت قبل رسالته أم بعدها؟ لا يذكر القرآن عن ذلك شيئاً. ولنا الحق في أن نفهم أنها كانت قبلها. ولا سيما أن التوراة تحدد سنة في هذا الوقت بأنها كانت دون الثلاثين.

٣ - ثم ألا يكون سجن يوسف تكفير عن النزعة التي قهرها وعصمه الله منها؟ ليكون بعد ذلك (من عبادنا المخلصين)؟

كل هذا يجوز ولكني لا احب الارتكان إليه، لأن تفسير العصمة على النحو الذي أسلفت يغنينا عن كل هذه الاحتمالات.

للأستاذ الفاضل شكري على ما أتاح من هذا البيان.

سيد قطب

النبي ودائرة المعارف البريطانية

<<  <  ج:
ص:  >  >>