لاحظت في الجزء الخامس عشر من دائرة المعارف البريطانية طبعة ١٩٣٢ اعتباراً من الصفحة ٦٤٧ في البحث عن حياة منقذ البشرية الأعظم محمد بن عبد الله هذه الجملة في مفتتح الحديث وبالخط البارز ولا يخفى ما يعنيه هذا الوصف الذي لا يليق أن يوصف به ذلك النبي الأمين الذي أضاء بحكمته دياجير الظلمات الحالكة، ورفع لواء العدل على الإنسانية فخلصها من نير العبودية، وفكها من عقال الجهل، وبسط السلام الحق، وآخى بين الناس، وأقر مبدأ المساواة في الحقوق بين الأفراد، وأزال الفوارق بين الطبقات، وبصورة أعم فقد جاء بالحرية للإنسان؛ وهذا أمر اعترف به رجال التاريخ المنصفون من غير المسلمين؛ فما بال دائرة المعارف المذكورة تتجاهل كل ذلك وتصفه بهذا الوصف الذي لم نرها تصف به من يستحقونه أمثال الإسكندر - ونابليون وأضرابهما من الأحكام والمستبدين؟
إن محمداً لم يكن يوماً طاغية ولا مستبداً ولا حاكماً مطلقاً كما يشهد التاريخ بذلك، بل هو الذي علم الناس التسامح وجاء بالحكم الشورى الذي تدرج حتى صار يدعي اليوم بالحكم النيابي أو الديمقراطي.
هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فقد وجدت الدائرة المذكورة تمعن في هذا التجاهل فلا تستند إلى كتب التاريخ المهمة بل تستند إلى تاريخ الواقدي الذي تقول عنه إنها لم تجد غيره، ثم هي في الوقت نفسه تطعن في هذا التاريخ وتقارنه ببعض الكتب الغربية الخرافية في أوربا. والواقدي كما يعلم المتتبعون لحوادث التاريخ غير حجة ولا ثقة بالنسبة لغيره من المؤرخين الثقات، هذا بالإضافة إلى أن البحث برغم استناده إلى ذلك التاريخ غير مستوف.
وظاهرة أخرى لاحظتها في هذه الدائرة، وهي أنها عند تعرضها لذكر كبار رجال الإسلام كالخلفاء الأربعة ومشاهير بني أمية والعباسيين وغيرهم تأتي بنبذ مقتضبة عنهم لا تتجاوز بضعة اسطر في حين أنها تكتب الصفحات الطوال عن نابليون وأمثاله وحتى عن رؤساء ووزراء وغيرهم.
هذا عرض موجز لما لاحظته، وقد فكرت طويلاً ثم كتبت منذ أشهر بذلك إلى معالي السيد عبد الرزاق السنهوري بصفته وزيراً لمعارف أكبر أمة إسلامية عرفت واشتهرت بمواقفها