أيها المعلم! لقد حدثتني عن التمثيل فأصبحت قادراً على تذوق روائع الفن أكثر من ذي قبل، فاسمح لي الآن أن أوجه إليك بعض أسئلة عن الحركة التي أراها لا تقل أهمية عنه. عندما أحدق في تمثالك المسمى (العصر الحديدي) الذي ينهض ويملأ رئتيه هواء ويرفع ذراعيه عالياً، أو في تمثال (يوحنا المعمدان) الذي يخيل إلى الرأي أنه يهم بمغادرة قاعدته التي يقف عليها ويضرب في أنحاء الأرض مبشراً برسالته بكلمات من الهدى، يعروني مزيج من الإعجاب والدهش. ويخيل إلىّ أن هناك سحراً في ذلك الفن الذي يهب مادة الشَّبَه حركة. ولقد درست روائع أخرى لأسلافك العظماء أذكر منها تمثال المارشال (ناي) والمارسليز، وكلاهما من عمل (رود) ثم الرقص من عمل (كاربو) وكذلك حيوانات (باري) الوحشية الكاسرة، ولا يسعني إلا الاعتراف بأني ما وجدت إلى اليوم تفسيراً مقنعاً للتأثير العميق التي تحدثه تلك التماثيل في نفسي. وما زلت أسائلها كيف يمكن أن تؤثر فينا كتل صماء من الحجارة أو الحديد؟ وكيف تبدو بعض التماثيل كأنها تعمل، بل وكأنها في حركة عنيفة بينما هي في الواقع ساكنة لا حراك بها؟)
فأجابني رودان:(أما وقد جعلتني في عداد السحرة فسأحاول جهدي أن احمي سمعتي، وذلك بأن أقوم بواجب هو أصعب بكثير من نفخ الحياة في الشبه أو الحجر، ألا وهو أن أشرح لك كيف يتسنى ذلك
لا حظ أولا أن الحركة هي الانتقال من وضع معين إلى وضع آخر. والحق يقال إن هذا التعريف الذي يكتنفه الصدق هو مفتاح السر. ولا ريب أنك قرأت في أوفيد كيف استحالت (دافني) إلى شجرة الغار،، و (بروني) إلى عصفور السنونو. يرينا هذا الأديب الساخر أن الأولى اتخذت من قشور الأعواد ومن الأوراق غطاء بينما أدثرت الأخرى بالريش حتى لنستطيع أن نرى في كل منهما المرأة التي استحالت والشجرة أو الطير التي سوف تنقلب إليهما. وأظنك تذكر أيضاً أن دانتي يصور لنا في جحيمه حية تلتف حول جسد أحد الملاعين فتنقلب رجلا، وينقلب الرجل بدوره حية تسعى. يصف لنا الشاعر العظيم هذا المنظر بجلاء تام وعبقرية فذة بحيث يستطيع المرء أن يتابع في كل من هذين المخلوقين الصراع الدائم بين طبقتين تصطرعان لتسود إحداهما الأخرى.
وقصارى القول يمكن المصور أو المثال بمثل هذا الضرب من التطور والتبدل يهب