- تمام! ولأضرب لك الآن مثلاً تمثالي (يوحنا المعمدان)، الذي ترى قدميه مرتكزتين على الأرض. فإذا ما أخذت صورة فوتوغرافية لمثال حي يمشي مشيته فلربما ظهرت قدمه الخلفية مرتفعة تلاحق القدم الأخرى؛ أو على النقيض من ذلك قد لا تكون القدم الأمامية على الأرض إذا ما شغلت الرجل الخلفية في الصورة الفوتوغرافية نفس الوضع الذي تشغله من التمثال.
ولهذا السبب عينه قد يبدو مظهر هذا المثال الفوتوغرافي غريباً كما لو كان رجلاً فاجأه الفالج وتحجر في موضعه، كما وقع في القصة الخرافية البديعة لخدام (الجمال النائم) الذين مُسِخُوا وسمروا في مكانهم على حالهم التي كانوا عليها. وهذا أيضاً يدعم ما شرحته لك من هنيهة بخصوص الحركة في الفن. وفي الواقع أنه إذا ظهرت الأشخاص في الصور الفوتوغرافية كأنها مثبتة في الهواء مع أنها أخذت وهي في حالة الحركة فما ذلك ألا لأن جميع أجزائها صورت في فترة زمنية واحدة هي جزء من عشرين أو أربعين من الثانية فلا يوجد في هذه الحال تدرج في الحركة كما هو الحال في الفن).
فقلت:
- (أني أفهمك تمام الفهم يا أستاذ: ولكن أرجو أن تسمح لي بأن أقرر أنك تناقض نفسك).
- (وكيف ذلك؟).
- (ألم تصرح لي أكثر من مرة بأنه يجب على الفنان أن ينسخ الطبيعة بكل إخلاص؟)
- (لا ريب في ذلك. ولا أزال أتمسك به.)
- (حسن! إذن إنه عندما يفسر الحركة فيناقض بتفسيره الآلة الفوتوغرافية تمام المناقضة - والفوتوغرافية دليل آلي دامغ لا يرقى إليه الشك - فإنه بذلك يغير من الحقائق.)
- (كلا. أن الفنان هو الصادق، والآلة الفوتوغرافية هي الكاذبة؛ لأن الزمن لا يقف كما هو ثابت مقرر. وإذا نجح الفنان في إظهار تعبير حركة تستغرق عدة لحظات حتى تتم فان عمله يكون بلا ريب أقل تكلفا من الطيف العلمي (الفوتوغرافية) حيث أقتضب فيه الوقت اقتضاباً مفاجئاً.