للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تجاه الآراء والنظريات التي صارت تنشر لتبرير تلك العواطف. . .

لقد قال البعض (يجب أن نميز بين فرنسا الأدبية المتمدنة وفرنسا السياسية المستعمرة)، كما قال آخرون: (يجب علينا أن نفرق بين عمل الساسة وعمل الأمة كلها، فلا يجوز أن نعتبر الشعب الفرنسي مسؤولاً عن أعمال حكامه. .

فلننعم النظر في الآراء التي تتضمنها مثل هذه الأقوال. . ولنفكر جيداً: هل يمكن التمييز بين فرنسا الأدبية المتمدنة وفرنسا المستعمرة تمييزاً حقيقياً؟

أنا لا أقول بذلك أبداً. . . لأن الأدب الفرنسي نفسه لم يلتزم الحياد تجاه السياسة الفرنسية بوجه عام وحيال السياسة الاستعمارية بوجه خاص. بل يعكس ذلك انبرى لخدمة تلك السياسة بكل الوسائل الممكنة. وقد كتب الأدباء عدداً لا يحصى من المقالات والخطب والأشعار والقصص والروايات التي تمجد الاستعمار وتزينه في النفوس، وتحث على الاستعمار وتحببه إلى القلوب. . .

إن دلائل ذلك تظهر للعيان من خلال جلسات الأكاديمية الفرنسية أيضاً. لأن هذه الندوة الأدبية العليا قد حرصت على كل الحرص على أن تختار بعض أعضائها من بين رجال السياسة والجيش، كما اختارتهم أحياناً من بين صناديد الاستعمار. وهؤلاء لم يتجردوا من نزعاتهم السياسية والاستعمارية عند دخولهم قاعة اجتماع تلك الندوة حتى أنهم لم يترددوا أحياناً في اتخاذ تلك القاعة منبر لإسماع آرائهم الاستعمارية في خطب أدبية رائعة.

ولعل أقرب وأوضح الأدلة على ذلك انتخاب الماريشال (ليوتي) عضواً في الأكاديمية المذكورة. ومن المعلوم أن هذا الماريشال يعتبر من أكبر رجال الاستعمار، فقد لقبه الفرنسيون بلقب (الأفريقي) - تقليداً لما فعله الرومان في القرون الأولى، عندما خلعوا مثل هذا اللقب على (اسجسيون) بعد تمكنه من تدمير قرطاجنة. إن الأكاديمية الفرنسية انتخبت الماريشال ليوتي عضواً بها، أفتدرون ماذا كان موضوع (خطبة القبول) التي افتتحت حياته الأكاديمية وفقاً لتقاليد الندوة الأدبية المذكورة؟. . . كان موضوع الخطبة (الاستعمار). . .

اقرءوا الخطبة المذكورة تجدوها قطعة أدبية رائعة في مدح الاستعمار وتمجيده. . . إنها تشرح فوائد الاستعمار المادية والمعنوية بأسلوب حار بليغ، وتدعوا إلى (الإيمان) بضرورته لحياة فرنسا!

<<  <  ج:
ص:  >  >>