(لأن الاستعمار - مصدر هام للقوة والثروة، ومنبع لا ينبض للجيش، وساحة تدريب وتكوين للقواد. . . ولأن الأمم المحرومة من المستعمرات تكون جانحة إلى الركود والجمود الروحي. . .)
أعتقد أن هذه الخطبة من أبرز الأمثلة والأدلة على تداخل وتشابك الأدب والاستعمار؛ فلا يجوز لنا إذن أن نقول بوجوب التمييز بين (فرنسا الأدبية المتمدنة وفرنسا السياسية الاستعمارية) بوجه من الوجوه.
وأما إذا قيل:(أن القصد من التمييز المبحوث عنه، هو (تقدير الأدب الفرنسي) في حد ذاته، بقطع النظام عن السياسة الفرنسية والاستعمار الفرنسي)، فأنا أسلم بصحة هذا الرأي، غير أنني أقول بلا تردد: إذا كان الأمر كذلك، فلا يبقى داع ولا مبرر للرثاء. . . لأن (الأدب الفرنسي) ظل خارجاً عن حدود النكبات؛ فإن النكبة التي نحن بصددها حلت بالدولة الفرنسية والجيش الفرنسي لا بالأدب الفرنسي. . .
لأن انهيار الجيش لا يستوجب انهيار الأدب، والاندحار في ميادين الحرب والسياسة لا يستلزم الاندحار في ميادين الأدب والثقافة. .
إنني أستطيع أن أخطو خطوة أخرى في هذا السبيل فأقول:
(إن مثل هذه النكبات قد لا تخلوا من الفائدة إلى الأدب، لأنها قد تكون منبتاً خصباً للإنتاج الأدبي. فإن الآلام والأتراح تكون - بوجه عام - أفعل من الأفراح في إثارة العواطف، وتوليد الأدب الرائع. . .
وعلى كل حال فإن نظرية التمييز بين فرنسا الأدبية وفرنسا الاستعمارية لا تستند على أساس قويم من هذه الوجهة أيضاً.
وأما القول في وجوب التفريق بين الشعب والحكام وعدم اعتبار الشعب مسؤولاً عن أعمال الحكام. . . فهو غريب جداً، ولا سيما بالنسبة إلى فرنسا التي تفخر وتباهي بالديمقراطية والجمهورية والإدارة الشعبية. . .
أنا لا أنكر أن الحكام قد يستطيعون في بعض الأحوال أن يجروا شعبهم إلى الاتجاه الذي يريدونه؛ غير أنني أعتقد أن ذلك الاتجاه لا يمكن أن يستمر طويلاً إذا لم يأت موافقاً لنزعات الشعب ويجد هوى في أمياله النفسية. . .