ومن يك ذا فم مرّ مريض ... يجد مراًّ به الماء الزلالا
وإن في هذا لبلاغاً لقوم يعقلون.
عبد القادر محمود
هل الموسيقى لغة؟
حاول الأديب سهيل إدريس تفنيد بعض آراء الأستاذ على الطنطاوي عن الموسيقى فأعوزه التوفيق في إيضاح ما تعرض له إيضاحاً علمياً. وأمامي الآن كتاب صغير عن تأريخ الموسيقى وضعه الأستاذ و. ج. تيرنر في سنة ١٩٣٠ وفرغت أنا والفنان شكيب من نقله إلى العربية في خلال السنة الماضية. ففي الفصل الأول من هذا الكتاب تعرض المؤلف للبرهنة على أن الموسيقى لغة، وأود أن أجمل فيما يلي بعض ما ذكره، وهي كفيلة بوضع الأمور في نصابها.
ما هي الموسيقى؟ قال البعض: إنها الفن الذي يؤلف بين أصوات مطربة. وظاهر أن هذا التعريف لا يشمل أصول الموسيقى الروحية أو الذهنية، إلى غير ذلك من مختلف التعاريف التي ينقصها الشمول والتحديد والتي لا ترتفع لمستوى ذلك التعريف الذي وضعه بتهوفن معرفاً به الموسيقى، إذ قال:(إن الموسيقى هي الحلقة التي تربط حياة الحس بحياة الروح) - أي الحياة الباطنة بالحياة الظاهرة. والواقع أن الموسيقى لغة يمكن أن تعبر عما يخالج النفس الإنسانية من شعور - سواء أكان حسياً بسيطاً أم روحياً مركباً.
ومثل الموسيقى مثل بقية الفنون في قدرتها على التقليد والمحاكاة - فكما أن الشاعر قادر على محاكاة الأشياء كالكر والفر في ميدان المعركة بترتيبه للألفاظ ترتيباً فنياً خالصاً، كذلك الموسيقى فإنه قادر على الوصف قدره لا حد لها - إما بالمحاكاة المباشرة أو عن طريق التداعي، وذلك بالنغم.
والنغم هو أداة الموسيقى كما أن اللفظ هو أداة الأديب واللون أداة الرسم. ويرتبط اللون واللفظ بأشياء خارجية تسبب تداعي مختلف المعاني، ويرجع هذا لأثر البيئة. فإذا كتب كاتب:(شجرة) فإن القارئ قد يتصور نخلة تمر أو شجرة بلوط أو ما شاكل ذلك، وإذا حاول رسام أن يخرج للحياة فكرة وشعوره الباطني عن طريق اللون فإن الرسم قد يخرج