ابتاعته من المدينة في الصباح. كان الطريق يصعد راسياً في الجبل والأوحال تغطيه من كل جانب وكانت الخيل المجهدة تلهث من التعب فنزل هانوف وسار بجانب العربة يمسح عرقه قائلاً (ياله من طريق!) وضحك مرة أخرى وهو يقول. (إنه كفيل بأن يحطم العربة).
فرد سيميون بلهجة أدبي إلى التوقح (إلا أحد يضطرك إلى الركوب في يوم كهذا. كان الأجدر بك أن تبقى في المنزل)
فقال (إنني أضيق بالمنزل يا جدي ولا أحب البقاء فيه)
وكان يبدو بجانب سيميون العجوز رشيقاً متوفزاً ومع ذلك فقد كان في مشيته شيء خفي يكشف عن بيان بدأ يدب فيه الضعف والانحلال. وأحست ماريا بشعور يملؤها بالخوف والعطف على هذا الرجل الذي يسير في طريقه إلى الانحلال لغير ما سبب مفهوم. وخيل إليها أن لو كانت هي زوجته أو أخته لجعلت حياتها كلها وقفاً على إنقاذه مما هو فيه. زوجته! لقد شاءت الظروف أن تجعله يعيش في بيته الفسيح منفردا وتعيش هي هذه القرية اللعينة بمفردها ومع ذلك فإن مجرد التفكير في أن يكون كلاهما بجوار الآخر مساوياً له يبدو أمراً مستحيل الوقوع.
في الحق إن ظروف الحياة وملابسات بني الإنسان قد ركبت تركيباً عجيباً يقف الإنسان أمامه حائراً عاجزاً عن تفهمه فإذا لم يجد له حيلة عاد مثقل الفؤاد.
قالت لنفسها وهي تفكر في ذلك (إنه لمن أخفى الأمور وأصعبها فهما أن يعطي الله هذا الجمال وهذه الرشاقة وتلك العيون الحزينة الجميلة لقوم ضعفاء تعست حظوظهم فلا يصلحون لشيء لماذا. . . لماذا يجعل الله فيهم كل تلك الفتنة الجذابة؟)
قال لها هانوف وهو يستقل العربة (هنا يجب أن أنحفر إلى الشرق. وداعا! أرجو لك كل شيء حسن!)
وعادت تفكر في التلاميذ وفي الامتحان وفي البواب وحين نقلت الريح إلى سمعها صوت العجلات المبتعدة اختلطت أفكارها تلك بأفكار أخرى. وأحست بالشوق إلى التفكير في العين الجميلتين، وفي الحب، وفي السعادة التي لن تكون. . . زوجته؟
لقد كانت تحيا حياة قاسية. الجو بارد في الصباح، ولا أحد يوقد الموقد، وقد اختفى البواب، والتلاميذ يتوافدون بمجرد ظهور الضوء يحملون قطعاً من الثلج والطين ويتصايحون في