ضجة عظيمة. كل شيء متعب مقلق للأعصاب. وكان مسكنها يتكون من غرفة واحدة صغيرة يتبعها المطبخ. وكانت تشعر بالصداع بعد انتهاء العمل ويصيبها الالتهاب بعد كل أكلة. وكان عليها أن تجمع النقود من الأطفال للخشب وللبواب وأن تعطيها لراعي المدرسة ثم ترجوه - وهو ذلك الفلاح الفظ الغليظ - أن يرسل إليها الخشب. وفي الليل كانت تحلم بالامتحان والفلاحين والعواطف الثلجية. . . ما أقسى هذه الحياة التي تسرع بها إلى الهرم وتجعلها تبدو قبيحة محدودبة ثقيلة كأنما خلقت من رصاص.
لقد كانت أبدا خائفة قلقة. وكانت تنتفض واقفة ولا تجسر على الجلوس في حضرة أحد موظفي المراقبة أو راعي المدرسة. وتستعمل العبارات الرسمية والتحيات المبجلة في حديثها معهم.
ولم يكن أحد يظنها جذابة. وكانت حياتها تمر جافة مزعجة بغير عاطفة حية ولا إحساس صداقة ولا معارف يشاركونها بعض هموم الحياة.
ما أعجب حياتها لو وقعت في الحب وهي في حالتها تلك!
(أمسكي جيداً يا ماريا!)
مصعد آخر في الجبل.
لقد أصبحت ماريا ناظرة تحت ضغط الضرورة. ولم تكن تشعر بأي ميل لهذه المهنة. ولم تتجه قط إلى مهنة بعينها ولا كانت تفكر في خدمة ذلك الغرض النبيل: غرض التعليم والتثقيف. وكان يخيل إليها دائماً أن المهم في الأمر كله ليس هو التلاميذ ولا التعليم وإنما هو الامتحان.
ومن أين لها الوقت لتفكير في شرف المهنة وفي خدمة الثقافة؟
إن المدرسين والأطباء ضئال الأجور، بما يرزحون تحته من أعباء مرهقة عنيفة، لا يجدون ما يخفف عنهم، ولا حتى الاعتقاد بأنهم يخدمون فكرة عليا أو يخدمون الناس، ما دامت رؤوسهم دائماً مشغولة بالتفكير في أمر القوت اليومي وفي المرض وفي سوء حالة الموصلات. . .
إنها حياة شاقة مملة، لا يستطيع احتمالها طويلاً إلا (حمير الشغل) من أمثال ماريا فاسيلفينا. أما أولئك المتوفزون الذين تتدفق الحياة في جنوبهم والذين يتحدثون عن شرف