(ماذا؟) فقالت: ماريا وقد رأت الجياد الأربعة عند بعد: (أنظر إن هانوف في طريقه إلى الجسر إنه هو، أليس كذلك؟)(نعم: فهو إذن لم يجد باكفست في منزله. ألا ما أغباه! لأي شيء قاد عربته إلى هناك وكان يستطيع أن يجئ من هنا فيوفر على نفسه ميلين كاملين)
ثم وصلوا إلى النهر. وهذا النهر يصبح في الصيف جدولا صغيراً يسهل عبوره ويجف عادة في شهر أغسطس، أما الآن بعد ذوبان الثلوج فإن عرضه يصل إلى أربعين قدماً وهو سريع الجريان كثير الوحل بارد المياه
صاح سيميون في حصانه وهو يجذب اللجام بحدة وعنف (هلم! أسرع!) فنزل الحصان في الماء حتى بطنه ثم وقف؛ ولكنه ما لبث أن تحرك بجهد عظيم، وأحست ماريا بالصقيع في قدميها فصاحت هي الأخرى (أسرع! أسرع!).
وحين وصلوا إلى الضفة الأخرى كان حذاؤها قد امتلأ بالماء وابتل اسفل ردائها وأخذ أكمامها يقطر ماء. واختلط الماء بالسكر وبالدقيق اللذين اشترتهما من المدينة، وكان هذا فوق ما تطيقه ماريا ولكنها لم تجد لها حيلة إلا أن تشبك أصابع يديها في يأس وتصحيح (إنك متعب، متعب يا سيميون. كم أنت متعب!)
وكان الحاجز الذي يغلق الممر قد انزل قبل أن يجئ القطار من المحطة فوقف ماريا تنتظر مروره وجسمها كله يرتعد من البرد. وكان أمامها على مدى النظر قرية فيازوفيا والمدرسة بسقفها الأخضر والكنيسة بصلبانها اللامعة في ضوء الشمس الغاربة وكانت نوافذ المحطة تلمع كذلك في الضوء والدخان الأسود يرتفع من مدخنة القاطرة. . . وخيل إليها أن كل شيء يرتعد من البرد!
وأخيراً جاء القطار. وكانت نوافذه تعكس النور في عينيها فتعشهما. وبينما هي تحدق في العربات السائرة أمامها على مهل أبصرت بين عربتين من عربات الدرجة الأولى سيدة واقفة فتأملتها وهي تمر بها. يا لعجب! أمها! ما أشبهها بها! لقد كان لأمها مثل هذا الشعر الفخم ومثل هذين الحاجبين وكانت ثنيات وجهها تشبه هذا الوجه إلى حد كبير.
ولأول مرة منذ ثلاثة عشر عاماً برزت أمام مخيلتها بوضوح عجيب ودقة تامة صورة أمها، وأبيها وأختها، ومنزلهم في موسكو وكل شيء من الماضي بتفاصيله الدقيقة. وسمعت من أعماق ذلك الماضي نغمات البيانو تنبعث في الفضاء وصوت أبيها يناديها وأحست -