بقي أن نعرف من هو السيد أبو الحسين صاحب كتاب (يتيمة الدهر)؛ وفي أي عصر عاش، وما هي مكانته الأدبية؟
لقد أطلت البحث عن ترجمة للسيد أبي الحسين، وبذلت كثيراً من الجهد والوقت، ولكن حياة هذا السيد الكريم ما زالت غامضة خفية. لم أستطع كشف القناع عنها، فإني مع كثرة ما بحثت وراجعت من المراجع لم أجد للسيد أبي الحسين ذكراً إلا ما ورد في رسائل بديع الزمان الهمذاني في سياق تلك المناظرة التاريخية التي وقعت بين البديع والخوارزمي في نيسابور سنة ٣٨٣هـ، فقد كرر البديع الهمذاني اسم السيد أبي الحسين أكثر من مرة واحدة في أثناء حكايته لتفصيلات تلك المناظرة، وذكر أن السيد أبا الحسين كان أحد شهود المناظرة المحكمين، وأنه كان يناصر الخوارزمي، وأن الخوارزمي كان يلجأ إليه ويخصه بالحديث والالتفات في الجلسة الأولى للمناظرة، فلما كان المجلس الثاني احتال البديع على السيد أبي الحسين، واستماله إلى جانبه بقصيدة أنشده إياها في مدح أهل البيت والتشيع لهم، وأستمع إلى البديع حيث يقول: (. . . ثم حضر السيد أبو الحسين وهو ابن الرسالة والإمامة، وعامر أرض الوحي، والمحتبي بفناء النبوة، والضارب في الأدب بعرقه، وفي المنطق بحذقه، وفي الإنصاف بحسن خلقه، فجشم إلى المجلس قد سيفه، وجعل يضرب عن هذا الفاضل - أبي بكر الخوازمي - بسيفين لأمر كان قدموه عليه، وحديث كان قد شبه لديه، وفطنت لذلك فقلت: أيها السيد! أنا إذا سار غيري في التشييع برجلين، طرت بجناحين، وإذا مت سواي في موالاة أهل البيت بلمحة دالة توسلت بغرة لائحة، فإن كنت أبلغت غير الواجب فلا يحملنك على ترك الواجب، ثم إن لي في آل الرسول صلى الله عليه وسلم قصائد قد نظمت حاشيتي البر والبحر، وركبت الأفواه، ووردت المياه، وسارت في البلاد، ولم تسر بزاد، وطارت في الآفاق، ولم تسر على ساق، ولكني لا أتسوق بها لديكم، ولا أتنفق بها عليكم. وللآخرة قلتها لا للحاضرة، وللدين ادخرتها لا للدنيا