للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يشاكله دقة، واللغات كلها تعيا أحياناً عن تصوير العواطف بكلماتها الوضعية، فلا مندوحة للأديب من اللجوء إلى الخيال وأفانين الجمال.

وإذا كان هذا رأيه الذي طالما دعا إليه، فلماذا لم يأخذ نفسه به؟ ما له لا يلتزم الأسلوب التلغرافي الذي يدين به؟ ثم ما له لجأ إلى تكرير المعاني في هذا الكتيب؟

على أنا إذا آثرنا الأسلوب التلغرافي فقد جحدنا ما خلفه أدباء العالم كله من تراث فني. ولخير إذاً للزيات والعقاد والجارم وبرناردشو وأندريه موروا وإضرابهم أن يحطموا أقلامهم، أو يغيروا أساليبهم، وهيهات هيهات!

وليس من الصواب الفصل بين الأسلوب والمعنى، فهما جزء واحد، وهما معاً قسيمان في إثارة القارئ ومجاوبته للأديب، أو شعوره بالمتعة الفنية، وهما معاً شريكان في التعبير عن خلجات الأديب وعواطفه، والأسلوب التلغرافي لا يحقق كل ذلك.

ولذا عرف بوفون الكتابة الجيدة بأنها (التفكير الجيد والشعور الصادق والإبانة الممتازة مجتمعة معاً) وفي رأي بوفون أيضاً أن (متانة الأسلوب ليست إلا ملاءمته لطبيعة الموضوع، وهي تتولد تولداً طبيعياً من معنى الموضوع نفسه)، وهكذا كان بوفون فحماً عندما يكتب في التاريخ الطبيعي، وسهلاً يستخدم الألفاظ الشائعة في رسائله إلى أصدقائه المقربين

والأستاذ سلامة يناقض نفسه إذ يقول في ص ١٧ (ويمكننا أن ننظر إلى اللغة النظر الفني فننشد بالكلمات والجمل رفاهية ذهنية لا تؤديها الدقة العلمية) وفي هذا رد على دعوته إلى الأساليب التلغرافية، إذ الرفاهية الذهنية ليست إلا ثمرة للروعة في التعبير، والإبداع في التصوير، والفحولة في التفكير.

(ثم انظر إلى ما ورثنا من المجتمع العربي القديم بشأن المرأة فقد ألغى هذا المجتمع المرأة من الحياة الاجتماعية إلغاء يكاد يكون تاماً، أما نحن فقد (رددنا الاعتبار) للمرأة المصرية؛ ولكن ما زلنا نستعمل الكلمات القديمة فنقول (أم فلان) أو (حرم فلان) ولا نذكر الاسم، مع أن الاسم جزء من الشخصية وإهماله هو سنة للمرأة. . وإهمالنا لاسم المرأة هو تراث لغوي قديم يحمل إلينا عقيدة اجتماعية يجب أن نكافحها) ص ٤٩

وليس في هذا شيء من الحق، فإن الإسلام قد رفع من شأن المرأة، واختصها القرآن الكريم

<<  <  ج:
ص:  >  >>