بالتأثير العميق في نفسك من غير أن تخشى الوقوع في غلطة، فالرسم واللون والأسلوب كلها كاملة من الناحية الفنية. . . فقلت له:
ألا يمكن مع هذا يا أستاذ أن تكون بعض الأعمال العظيمة الخالدة ناقصة من ناحية الصناعة الفنية؟ ألم يقولوا مثلاً إن ألوان رفائيل تغلب عليها الرداءة غالباً، وإن رسم رمبراند لم يسلم من الغمز واللمز؟ فقال:
صدقني إن هذا خطأ صراح. فإذا كانت قطع رفائيل تسر النفس فما ذلك إلا لأن كل شيء فيها - من لون ورسم - يمد هذا السرور بمعين. انظر إلى سان جورج الصغير باللوفر، وإلى بارناسس بالفاتيكان، وإلى رسوم الستائر في سوث كنسنجت انظر إلى كل هذه تر الانسجام فيها ساحراً. أخذا. نعم، تختلف ألوان سانزيو عن ألوان رمبراند ولكنها تلائم إلهامه كل الملائمة، إنها صافية نقية كصنعة القرط. إنها تبدي انسجامات مفرحة، طلية زاهرة. إن لها شباب روفائيل الخالد. إنها لا تبدو حقيقية، وذلك لأن الحقيقة التي كان يراها نابغة أوربينو ليست حقيقة مادية فحسب، بل كانت دنياه دنيا شعور حيث تستحيل الأجسام والألوان بنور الحب. ولا غرو إذا قال أحد غلاة الواقعيين بأن ألوانه غير صحيحة، أما الشاعر فيراها صادقة.
ولو قورنت ألوان رامبراند أو روبنز برسم رفائيل لبدت الأولى جافية بشعة، ما في ذلك من شك.
ومع أن رسم رامبراند يختلف عن رسم رفائيل فهو لا يقل عنه جودة. فخطوط رفائيل حلوة نقية، أما خطوط رامبراند فخشنة متعرجة. كانت مخيلة الفلمندي العظيم متأثرة بالثياب الخشنة، والوجوه الفظة الجعدة، وبأيدي الطبقة الفقيرة المجلة الدرنة. وما كان الجمال عنده إلا التباين بين حقارة الغلاف المادي الخارجي والإشعاع الروحي الداخلي. وإلا فكيف كان يتسنى له أن يعبر عن هذا الجمال المؤلف من بشاعة مادية ظاهرة ومن سمو نفساني رائع إذا ما حاول أن يجاري رفائيل في أناقته؟ ينبغي أن تدرك أن رسمه كامل متقن إلى أبعد حدود الكمال والإتقان لأنه يتفق تمام الاتفاق مع خلجات نفسه وأفكاره فقلت:
وعلى ذلك قد نفهم من قولك إنه من الخطأ الاعتقاد بأن الفنان لا يستطيع أن يكون بارعاً