فقال: ما في ذلك من شك وأنا لا أدري والله كيف رسخت هذه الفكرة في الأذهان إلى هذا الحد. فإذا كان عظماء الفنانين فصحاء بلغاء، وإذا كان في مقدورهم أن يملكوا أعنة نفوسنا ويذهبوا بنا كل مذهب، فما ذلك إلا لأنهم يملكون كل وسائل التعبير التي تلزمهم. لقد برهنت لك على ذلك من لحظة بحالتي رفائيل ورامبراند. ويمكن تطبيق مثل هذه الأدلة على جميع عظماء الفنانين. فمثلاً أتهم البعض دلاكورا بجهله أصول الرسم؛ أما الحقيقة فعلى النقيض من ذلك تماماً؛ فإن رسمه يتمشى تمشياً معجباً مع ألوانه. فهو مثلها وعر متقطع، محموم، سام، مترع بالحيوية والعواطف القوية. وهو مثلها يجنح إلى الغلو والجنون أحياناً وعند ذاك يبدو أجمل وأروع ما يكون. . . إن الرسم واللون شيء واحد ولا يمكن أن يعجب بالواحد دون الآخر.
ولقد يغرر أنصاف النقاد بأنفسهم حينما يفرضون وجود ضرب واحد من الرسم فقط هو رسم رفائيل أو حتى رسم من هم دونه من مقلديه أمثال دافيد وأنجر. وحقيقة الواقع أنه يوجد من ضروب الرسم والألوان بقدر ما يوجد من الفنانين
يقال عن ألوان البرخت دورر إنها صلبة جافة، وليست كذلك بتاتاً. إن دورر جرماني، فهو يعمم ولا يخصص، وترى تراكيبه الإنشائية محكمة مدعمة كالحقائق المنطقية، وأشخاصه جامدة كما ينبغي أن تكون. وهذا يفسر لنا دقة رسمه البالغة، وكيف جاءت ألوانه مكبوتة محدودة.
(وينتمي هولبين إلى نفس المدرسة، فليس لرسمه شيء من الرشاقة الفلورنتينية، ولا للونه الجمال البندقي.
ولكن لخطوطه وألوانه قوة ورسوخ ومعنى باطني، وهذه صفات قد لا تتوفر لأي مصور آخر.
ويمكن أن يقال إجمالاً عن فنانين حريصين مدققين كمن ذكرت؛ إن رسمهم غير مرن وإن ألوانهم باردة جافة جفاف الحقائق الرياضية؛ كما يمكن أن يقال على النقيض من ذلك عن البعض الآخر الذين هم شعراء الوجدان أمثال رفائيل وكوريجيو واندريا دل سارتو إن خطوطهم أكثر طراوة وليونة، وألوانهم أوفى رقة وجاذبية. أما في غير هؤلاء ممن نسميهم