التي عولجت حول هذه البيئة من مؤرخي اليونان والرومان الذين رحلوا إلى الإسكندرية أو استقروا فيها شيئاً كثيراً يتصل بعضه بالأديان المختلفة التي كانت تصطرع في هذه المدينة وبعضه بالآثار الأدبية المختلفة من يونانية وقبطية وبعضه يتناول نواحي من التدين خاصة كالتصوف الذي تأثر به العرب فيما بعد والذي كان أصلاً من أصول الحياة الدينية المصرية القديمة.
وإن الأفلاطونية الحديثة التي نشأت في مدينة الإسكندرية كان لها أثر قوي في البحوث الدينية عند المسلمين فيما بعد ولعل هذا يلفتنا إلى وجوب البحث الدقيق عن مسالك تأثر المسلمين بالثقافات اليونانية إذ ربما حول ذلك مجرى البحث الذي استقر في مثل هذه الموضوعات عندهم.
وإذا كان المؤرخون الإنجليز حاولوا شيئاً من هذا في دراساتهم الأدبية والتاريخية فأولى بنا أن نرجع أولاً إلى مثل هذه المحاولات قبل البدء في دراسة هذه الموضوعات. وبين يدي الآن مرجع من هذا الطراز يبحث فيه صاحبه ما تردد في الإسكندرية من ألوان الثقافات مختلفة التي كان لها أكبر الأثر في تكوين الشعب المصري الجديد.
ولا يقف في سبيلنا ما لا يزال موضعاً للدراسة مما يروى من إحراق مكتبة الإسكندرية على يد عمرو بن العاص بأمر عمر فإن تأثر العرب بالثقافات القديمة في مصر لا يرتكز فقط على المتحف والمكتبة وإنما يعتمد على أشياء أخرى تظهر لمن خصص نفسه لمعالجة مثل هذه الدراسات رفق ولين وأناة. س
وإذا كانت الفلسفة اليونانية قد لجأت إلى الإسكندرية بعد ما لاقت من ألوان الاضطهاد والأذى في الغرب فوجدت فيها حياة آمنة وأفقاً ضيقاً يلائم الفلسفة والتفلسف فأجدر بنا ألا نقف عند هذه المحاولات بل ينبغي أن يمتد ذلك إلى تعرف آثارها في الحياة العربية الإسلامية المصرية فيما بعد.
وإذا كان المقريزي في خططه يصف سكان مصر فيقول:
(وهم أخلاط مختلفة من الفرس والروم والبربر) ولكل من هذه الأخلاط مقومات مميزة انصهرت انصهاراً عجيباً في البيئة المصرية فإن البحث عن أصول هذا الشعب ينبغي أن يتناول هذه الأخلاط المتباينة في الجنس والثقافة والدين.