الزوجة في العصور القديمة، ثم في هذه العصور الحديثة. ومما لا اختلاف فيه بين الأمم أن الزوجة كانت في اقدم كالقنية المملوكة التي لا فرق بينها وبين الجارية الرقيقة، ثم ارتفعت مكانتها فظهرت الزوجة ربة البيت، ولكنها لم تزل في عرف المجتمع شهوة من شهوات الضرورة التي يلجا إليها الرجل في ساعة ضعفه أو الساعة التي تغلبه فيها الطبيعة الحيوانية، ولم تظهر المرأة التي هي (شريكة حياة)، أو سكن للرجال كما جاء في القرآن الكريم إلا في العصور الأخيرة، وإن كانت لها رائدات سابقات بين بعض الأسر فيما تقدم من العصور فالشاعر كان يتغزل في المرأة ولا يخجل من ذلك لأن الغزل منسوب إلى الظرف واللباقة.
وكان يرثى أمه أو جدته لأن حب الأمهات والجدات محسوب من البر المشروع الذي لا ضعف فيه.
وكان يرثى أمهات الأمراء وقريباتهم، لأن عزاء الأمراء واجب من واجبات المفروضة عليه
ولكنه لم يكن يرثى الزوجة المتوفاة، لأنها شيء يخصه ولا يفهم معنى الفجيعة فيه عند أبناء عصره إلا على معنى الضعف الذي لا يجمل بالرجال، وكيف كان يجمل بهم أن ينفجعوا على الزوجة المفقودة، وقد كانت زيارة قبرها مما يحتاج إلى اعتذار؟
ولا شك أن آداب الأمم هي خير مسجل لأخلاقها الاجتماعية سواء تعمدها الشعراء أو لم يتعمدوها
فمن الظواهر الحديثة التي تسجل في الأدب العربي - أو الأدب المصري - أن الزوجة (شريكة الحياة) تمثلت في شعرنا العصري تمثلاً واضحاً بليغاً صادق المدلول، لأننا قرأنا في سنوات متقاربات ديوانين كاملين في رثاء الزوجة الفقيدة، وكلاهما لم يكن ظهوره بالمفهوم قبل هذا الجيل، لأن وجود شاعرين اثنين يفيان لذكرى فقيدتهما لا يكفي لإظهار ديوانين في هذا المعنى، ما لم يكن هذا المعنى ملحوظاً مقدراً عند الكثيرين من أبناء الجيل الذي ينشان فيه
قرأنا بالأمس ذلك الديوان الحزين الذي نظمه الشاعر المطبوع الأستاذ عزيز أباظة بك وسماه (الأنات الحائرة)، لأنه أقوى من أن يسمى بالدموع