وقرأنا هذه الأيام ديواناً آخر في هذا المعنى للشاعر الألمعي الأستاذ عبد الرحمن صدقي سماه (من وحي المرأة)، لأنه لم يكن إلا وحياً فاض به حزنه على فقيدته العزيزة، فخرج في جملته منظوماً كأنه لا يحتاج إلى ناظم، وجاء فيه بقصائد ومقطوعات ستبقى في عداد الشعر الخالد، سواء منه ما نظم في هذا الموضوع أو غير هذا الموضوع
ويدل على أن ظاهرة الزوجة شريكة الحياة هي الباعث على نظم هذين الديوانين أنهما قد نظما في زوجتين لا تجمع بينهما صفة تعزها غير صفة المشاركة في الحياة، فلا يقال إن القرابة هي باعث الرثاء، لأن إحدى الزوجتين أجنبية عن البلد فضلاً عن الأسرة، ولا يقال في الذرية هي علة الإعزاز، لأن إحدى الزوجين لم تعقب ذرية بعدها، ولا يقال إن الحب العاطفي هو مصدر هذا الوحي، لأن الحب العاطفي قد يوجد ولا يوجد معه التفاهم في الأفكار ولا التعاون على أعباء الأسرة وشواغل النفوس، ولكنها المشاركة في الحياة وحدها هي التي يرجع إليها الإيحاء بهذين الديوانين، حين فهم العصر كله معنى الزوجية التي تقوم على هذه المشاركة بين حياة إنسانيين
والزوجة شريكة الحياة - حياة الأديب على التخصيص - هي التي يقول الأستاذ صدقي في وصفها:
وكنت الغني من مشكل بعد مشكل ... وعقدات نفس تستديم قلاقلي
مشاكل شتى: حاجة النفس للهوى ... وحاجة ذي حس، وحاجة عاقل
جمعت لي الدنيا فأغنيت مُعدمي ... وأمتعت محرومي وزينت عاطلي
أو يقول في ذكرياتها من قصيدة أخرى:
وخبر رفيق أنت في كل رحلة ... وخير سمير للحديث ينضد
ونجلس في حضن الطبيعة صمتنا ... مناجاتها - إن الطبيعة معبد
ونجلس للأشعار ندرسها. معاً ... كأنْ ليس غير الكتب في العيش مقصد
وقد تكون شريكة حياة ولا يكون قوام المشاركة بينها وبين قرينها طول الشغل بالدراسة والمطالعة، كما قال الأستاذ عزيز في قصيدته الدالية في يوم ميلاده:
أقول والقلب في أضلاعه شرق ... بالدمع: لا عدت لي يا يوم ميلادي
نزلت بي ودخيل الحزن يعصف بي ... وفادح البث ما ينفك معتادي