ارتاحت نفسي إلى صداقة هذا الدميم لأن فيه من جمال الصفات الروحية والخلقية ما يستر تلك البشاعة الواضحة المنكرة؛ ولأن خفة ظله، وحضور ذهنه، وبراعته في التنكيت تلقي ستاراً على دمامته المنفرة.
اسمع يا صاحبي، أحسب أن المشوه كالأحدب والمخلع والأعرج وكل ذي عاهة يعتقد أنك ستسخر منه فيبادرك بسخرية مؤلمة. والظريف في أصحاب هذه العاهات أن البارع منهم يمزج سخريته بالابتسام والضحك وبذلك يبطن الانتقام بالمرح.
كنت ألقى صاحبي الدميم في الصباح على مائدة الطعام، ثم ننتحي ناحية في بستان أو حرج بعيدين عن الناس وضوضائهم لنقرأ؛ وكان رفيقي ولوعاً مثلي بقراءة الكتب، ثم نعود فنجتمع فنتحدث فيما قرأنا.
لم أسمع من صديقي هذا حديثاً يخرج عن دائرة الكتب أو أسماء مؤلفين. ومن غريب أطوار هذا الدكتور الجامعي أنه يقرأ الأدب ويتذوقه؛ وله في أدبائنا المعاصرين نظرات صائبات؛ وله آراء في كلية الآداب أسكت عن ذكرها، ولكنه يجهل الحياة بجهله المرأة. وقد قال لي: أنه لا يعرفها ويهرب منها لأنها هبة الشيطان، وعصا إبليس، وسم الحية، وأنه ما من رجل يطاوع هواه ويساير شهوته فيقترب من امرأة إلا وهو ضعيف العقل ملموس من خبال الغريزة!؟
ضحكت في سري من ضلال هذا الرأي وانتحلت لصديقي عذراً في إبدائه على هذا النمط المخالف لسنة الطبيعة وقدرت ظروفه الخاصة التي جعلته ينفر من المرأة ويتجنى في الحكم عليها، ولم يعد الحديث عنها يدور لنا على لسان.
أخذت الوحشة من الوحدة يدب دبيبها في نفسي، والسأم يرين عليها من هذه البلدة الصغيرة الخالية من وسائل التسلية، والتي لا أنيس لي فيها ولا سمير سوى الكتاب وصديقي الجامعي اللطيف.
كل ما في طبيعة (رودس) هاديء، البحر والأشجار، السماء والناس، والقلوب كلها هادئة أو شبه متحركة. وقلما رأيت حتى في الفتيات الروسيات المرحات عيوناً تتطلع إلى القلوب أو ترميها بنظرات. فإن فعلت فهي تتطلع إليها خلسة تشتهيهم شهوة هادئة ولا ترميها رمية صائبة.