مزيد بعدها لمستزيد، فرئيس جمهوريتها (مسيو) وماسح الأحذية (مسيو)، والعامل يتقاضى أجراً على الفراغ كما يتقاضاه على العمل! وأن حرية الأحزاب فيها وتمسكهم بآرائهم قضى ألا يزيد متوسط عمر لوزارات الفرنسية على ستة أشهر منذ قيام الجمهورية الثالثة إلى نشوب هذه الحرب
عرفت هذا جيداً وسمعت إلى جانبه هذه النعوت البراقة التي يخلعها إخواننا المتفرنسون على فرنسا من رقة ولين ودماثة وظرف حتى ليلذذ للأمريكيين أن يُلجئوا الفرنسيين إلى الإساءة ليستمتعوا بعد ذلك باعتذارهم الطيف بلغتهم الرشيقة! ولكني كنت أشاهد أن فرنسا سوط عذاب ونقمة على كل بلد يرفرف عليها علمها المثلث الألوان، فهي الدولة التي تخرج الأهليين قسراً من أرضهم الخصبة لتوزعها على المستعمرين من أبنائها، وتعمل جاهدة على فرنستهم في كل مرافق الحياة بقوة الحديد والنار، وتستنزف أموالهم بما تفرضه من ضرائب باهظة بلغت في سوريا من ٧٠ % إلى ٨٠ % على بعض المواد بعد أن كانت من ١١ إلى ٢٥ في العهد العثماني، وبما تنشئه من الوظائف ذوات المرتبات الضخمة للفرنسيين وصنائعهم وجواسيسهم، حتى ارتفعت ميزانية النفقات في سوريا من خمسة ملايين ليرة سورية في آخر العهد التركي إلى ٣١ مليون ليرة، وارتفع عدد الموظفين من ألف موظف منهم خمسون تركياً يتناولون مرتبات ضئيلة إلى ١٨٢٢٣ موظفاً منهم ١٥٠٠ من الفرنسيين بين مدني وعسكري يتناولون أضخم المرتبات عدا الامتيازات التي تفوق الحصر هذا إلى ٤٧٥٠٠٠ ليرة تدفع سنوياً للجيش الفرنسي! أي لغربان السنغال جزاء تنكيلهم بها!
وأشاهد أيضاً أن فنسا هي الدولة المتخصصة في تدمير القرى الآمنة ودك المدن الأثرية، وإحراق الزروع، وتسميم الماشية وموارد المياه، وانتهاك حرمات المنازل ونهب ما فيها، وتقتيل الشيوخ والنساء والأطفال، وإعدام الأحرار بالألوف، ونفي زعماء المجاهدين إلى جزيرة الشيطان، والإمعان في إذلال وطنية الشعوب وخنق روحها، حتى كان في تونس ناد ـ لعله لا يزال قائماً ـ كتب على واجهته (ممنوع دخول العرب والكلاب)!
كنت أرى وأسمع فأقف مضطرباً مشدوهاً بين هذه المتناقضات الفرنسية حتى كشف لي عن السر السيد الحسن بو عياد من أحرار مراكش ومجاهديها في أعمال زيارته لقاهرة منذ