للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فمي أخذت منه الليالي وإنني ... لأشرب منه في إناء مثَّلم

ربِّ متى أرحل عن هذه الد ... نيا فإني أطلت المقام

هذه الأبيات وأشباهها تصدر عن شيخ هِمَّ، بلغ أرذل العمر، وذهب جيله وبقى وحده. ولكن المعري له شأن آخر، فهو يَبرَم بالحياة في عنفوانها ويقول.

شربت سنيَّ الأربعين تجرُّعا ... فيا مقِراً ما شربُه فيَّ ناجع

ويرى أن الحياة بعد الأربعين موت، والوجدان فقد

حياتي بعد الأربعين منيّة ... ووجدان حلف الأربعين فقود

فشكوى أبي العلاء من الضعف، وهتافه بالموت، وبرمه بالحياة لا يدل كل حين على الشيخوخة أو الهرم.

وأما قوله:

فمى أخذت منه الليالي وإنني ... لأشرب منه في إناء مثلِّم

فسقوط الأسنان كثيراً ما يعرض في السن التي قدَّرت انه نظم فيها الكتاب.

وقد ذكر سقوط أسنانه في رسالته إلى أبي الحسن بن سنان وقد تقدم إليه باختصار كليلة ودمنة بأمر عزيز الدولة. وعزيز الدولة قتل سنة ٤١٢، ولما يبلغ أبو لعلاء الخمسين.

المبحث الثاني

ترتيب اللزوميات

- ١ -

وضع أبو العلاء خطة هذه المنظومة متكلفاً فيها ثلاث كُلَف كما قال في المقدمة: أن يلتزم في قوافيه حرفاً لا يلزم، وأن ينتظم حروف المعجم كلها، وأن يستوفي في كل حرف الحركات الثلاث والوقف.

وقد تبيّن من تاريخ الحوادث التي ذكرت في هذا النظم ومن تاريخ الرجال الذين ذكرهم ومن الأسنان المختلفة التي ذكرها أن الترتيب الهجائي لا يساير الترتيب الزمني. انظر إلى روىّ الأبيات التي أثبتّها فيما تقدم، وإلى تاريخ الحوادث التي تتضمنها والأسنان التي تذكر فيها تر هذا واضحاً. فلا يسوغ أن نظن أن قطعة على روى الباء مثلاً ينبغي أن يَتقدم

<<  <  ج:
ص:  >  >>