ثم تجرّم على العقاد فزعم أنه متحجر اللغة، عتيق الأسلوب، رجعي التفكير، محافظ في سلوكه، وكأنما لم يشف غله هذا التخصيص فتخرص على ٩٩ في المائة من كتابنا بأنهم كذلك آسنون، وما دليله الذي يجول به ويصول؟ دليله أنهم يكتبون عن خالد والخوارج ولا يكتبون عن رجال اليوم.
يالها من دعوى خرقاء، ويالها من حجة جوفاء.
أيذم أسلوب العقاد وهو ما هو سلاسة وسلامة ونصاعة؟
أذنب العقاد في نظر الناقد أنه يأخذ قامه بقواعد اللغة وروحها فلا يلحن، ولا يخطئ، ولا يسف في تعبير، ولا يحتاج إلى من يصحح له ما يكتبه كما يحتاج غيره؟
لقد كتب العقاد في السياسة والأدب والتاريخ والقصة، وأسلوبه في هذه الفنون كلها فارع بارع ممتع.
ثم كيف يتهم العقاد بأنه آسن التفكير؟
لقد ألف عدة كتب، وكتب مئات المقالات في شتى الموضوعات فلازمته فحولة الفكر، وصاحبته سمة الاستقلال في الرأي، وما وجدناه مرة يتضاءل كما يتضاءل غيره أمام رأي قديم أو فكرة لعالم أوربي، وحتى العلامة (فرويد) الذي يتعبد بآرائه الأستاذ سلامة قد نقده العقاد، والعلامة (داروين) الذي يشايعه الأستاذ سلامة في كل نظرياته قد خالفه العقاد، وبهذا الروح القوي الحر كتب العقاد ما كتب في القديم والجديد وما معنى أن العقاد سلفي في سلوكه؟
أيعيبه لأنه ليس من أهل الخلاعة والمجانة واستباحة اللذات جهرة كما يفعل الممرورون من أدعياء الأدب والفن؛ لأن الشذوذ والانحراف الخلقي في نظرهم وثيقة بأنهم ناس ليسوا كالناس؟
أم يعيبه لأنه رجل يؤمن بالرجولة فلا يكتب مرة ليتملق المرأة ويزعم لها أنها جدير بالمساواة، خليفة بأعمال الرجال؟
أم يعيبه إذ لم يخرج على الأمة بصيحة تحقر أدبها، وتبلبل لغتها، وتزدري خصائصها وأخلاقها، وتمتهن مفاخرها وأبطالها؟ لست أدري.