للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- ٣ -

وليست هذه العيوب مقصورة على العقاد وحده، بل يشركه فيها ٩٩ في المائة من كتاب مصر، فمن بقى إذن؟ لم يبق خاليا من العيوب إلا الأستاذ سلامة ومحرر بعض المجلات الشعبية، فهم أرباب الأساليب والأفكار المرتضاة عنده؛ لأنهم يسفون في تعابيرهم، ويتوخون العامية في كتاباتهم، ويختارون المجازات (البلدية) والكنايات (الشعبية) والموضوعات التافهة المبتذلة.

يا ويح الأدب العربي في هذا العصر إن كان قد حرم بيان (الزيات) الرفيع، وأسلوبه الفياض بالحياة، الفياح بعبير الجمال وعطر الفن.

وويل للأدب في هذا العصر وفي كل عصر إن استكان رُواده وشداته لدعوة الأستاذ فآثروا الفسولة في تعبيرهم، والاتضاع في تصويرهم والتدلي في لغتهم، إذن لبرئ الأدب منهم، وإذن لَعُمِّيت عليهم وجوه الجمال في تراثهم من أدب الأسلاف، وإذن لعَمُوا عن السر في بلاغة القرآن وإعجازه، وهذا كله بعض ما تقترفه هذه الدعوة العاسفة الهدامة.

- ٤ -

وكتابنا كلهم متخلفون رجعيون في رأي المؤلف؛ لأنهم يُعَنُّون أنفسهم بالبحث في الماضي، وتنضح أقلامهم بدراسة تراثنا المجيد، ولا يكتبون عن الحاضر شيئاً.

فأي حق في هذا وأي صدق!

لقد كتب العقاد عن الماضي بروح العصر، وثقافة العصر، والطرق الحديثة في البحث والتحليل، وأسهم في بعث مفاخر هذه الأمة التي أرادت العالم أحقاباً طوالاً، وشارك في إحياء الأمثلة العليا من بطولتها؛ لأن الأمم لا تنهض بحاضرها وحده، بل لابد لها من ماض مجيد يلهمها وينفخ فيها من روحه قوة وحيوية، وهذا ما فعلته الدول الناهضة الغالبة اليوم، وليس أهدم للأمة المتوثبة للمجد من تنكرها لماضيها الحافل، وغفلتها أو تغافلها عما لها من عظائم وجلائل، واعجب عجباً لا ينقضي ممن دعا إلى الفرعونية مراراً وقد انقطع ما بيننا وبينها من نسب، ثم لما بارت دعوته أخذ يعيب الذين يدرسون العرب، ويكتبون عن أبطال العرب كأنه يرتبط بالفراعنة بنسب ثم لا يصله بالعرب سبب!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>