للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وربما دار بخلدي أنه يلحي العقاد وهيكل وطه والحكيم وغيرهم لأنهم كتبوا عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام كتباً تخضع لطرائق البحث الحديث ولكنهم جلوا نواحي من عظمته، وابرزوا طرفاً من سمو رسالته، ولم يجمح بأحدهم قلمه فيتقول أو يتهجم، ثم كتب العقاد وهيكل في أبي بكر وعمر وخالد، وكتب العقاد في علي والحسين وعائشة، فلا والله ما وجدوا إلا صحائف من ذهب تتبلج بالعظمة والبطولة والنبالة، وما قالوا إلا ما قرءوا في هذه الصحائف الخالدة، ولو كانا غير مسلمين ما تغير قولهما ولا حكمهما، فالبطولة سحر غلاب يجتذب الولي الحميم، والعدو الخصيم، وشمس سافر، تغمر بضيائها الباهر، القريب والبعيد، وتنفذ آرادها إلى واضع كفيه على عينيه.

وهل كتابنا اقتصروا على الماضي وحده كما يزعم؟

لنستعرض بعض مؤلفاتهم ثم نحكم.

هذا هو (الزيات) كتب في تاريخ الأدب العربي كتابه، فأرخ للأدب بأدب، وكان مثل يوفون إذ كتب في التاريخ الطبيعي ببيان خلاب، ومع ذلك فقد ترجم آلام فرتر لجيته، وروفائيل للامرتين ترجمة يقرر الحاذقون للألمانية والفرنسية أنها كالأصل بلاغة وسمواً ودقة، ويكتب منذ أكثر من عشر سنوات في مشكلاتنا السياسية والاجتماعية والأدبية والاقتصادية.

وهذا هو (العقاد) كتب العبقريات، ولكنه ألف (سعد زغلول)، و (شعراء مصر وبيئاتهم) و (الحكم المطلق في القرن العشرين) و (هتلر) وغيرها، وله مئات المقالات في شتيت الموضوعات والمناسبات.

وهذا (هيكل) ألف عن (محمد) و (أبي بكر) و (عمر) ولكنه ألف أيضاً عن (روسو) و (السياسة المصرية) الخ.

فأي منصف بعد ذلك يتجنى على كتاب مصر بأنهم يحيون وعيونهم مشدودة إلى الماضي وحده؟

ومن ذا الذي يجحد فضلهم في مسايرة الثقافة، ومواثبة الحياة المتجددة المتطورة؟

إنهم يواثبون الثقافة ولكن أكثر إنتاجهم - متأثراً بهذه الثقافة - شرقي الروح، عربي الأسلوب، إسلامي النزعة، وكل ميزة من هذه الميزات مرة في بعض الأفواه، فكيف بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>