أقف الآن حائراً في شئون الفكر، ويمتد خيالي إلى الوراء فأطالع تراث الآداب المختلفة وملاحم الشعراء العظيمة، وأخرج بعد ذلك إلى الحياة العامة، وأشاهد مباذلها وقيمها المختلفة من خير وشر، ثم أعود بعد ذلك فأحبس نفسي في برج عاجي أو سجن فسيح، أجتر غابر ذكرياتي، وأطالع أدب شيوخنا الأدباء من صناديد المفكرين والكتاب الذين أتيح لهم بما لديهم من عبقريات فذة أن يعرفوا في هذه البلاد والأقطار العربية الشقيقة. ولكننا نراهم عاكفين على إنتاجهم ولا يفكرون في شئون الجيل الجديد والعمل لصالح مستقبل الأدب في مصر.
ولعل الذي أثار هذا المعنى الجليل في نفسي هو نداء الأستاذ الكبير الزيات إلى وجوب إنشاء دار للترجمة تترجم لنا كل ما في أدب الغرب من روائع وأعلام. ولاشك أنه نداء صادق أمين، فللأستاذ الكبير الثناء والشكر من وفود جيل يرقب أعمال الأدباء بجانب تراثهم الخالد في الأدب. وعلى هذا الضوء نتوجه إلى الأستاذ العقاد، والدكتور طه حسين، والأستاذ الزيات في شئ من اللوم والتقصير: من في أدباء الشباب سيخلف العقاد العظيم؟ وهل في العربية كاتب تقرب منزلته في أسلوبه مثل الزيات؟ الجواب: لا. . . ولكن هل فكر الزيات في أن يخلفه أديب أو جماعة من الأدباء يمثلون مدرسة خالدة في الأسلوب الرصين؟ وهل امتدت خدمة الدكتور طه حسين حينما كان مستشاراً فنياً لوزارة المعارف إلى عمل نافع لثقافة جيل جيد؟! كم كنا نود من الدكتور طه أن يشير إلى مثل ما أشار إليه الأستاذ الزيات من إنشاء دار للترجمة. . .؟! وهل اتفق أقطاب الأدب الحديث وهم العقاد وطه حسين والزيات على ذلك العمل الجليل فأسرع العقاد في مجلس الشيوخ يطالب بذلك. وأشياء وأشياء نودها من أشياخنا الأدباء لضرورة نهضة الجيل الجديد كإنشاء دار تعرف باسم الأدب الحديث للمحاضرات والمناظرة.
وإني لأخشى ألا يكون في امتداد أدباء الشباب من ينصف شيوخنا الأدباء في المستقبل إلا إذا تأثروا بأدبهم ونشاطهم ولن يكون ذلك إلا إذا قامت مدارس أدبية تمثل ألوان الأدب الحديث وأعلامه الأفذاذ.
وبعد فهذه ناحية لم يلح في تناولها أدباؤنا الشباب الذين أتيحت لهم الكتابة في الجرائد والمجلات، فهل تفسح لنا الرسالة الغراء في نشر هذه الكلمة؟ نرجو ذلك وللأستاذ الزيات