ومن أصدق المقاييس للمستقبلية الإيمان بالحرية الفردية والتبعة الشخصية.
فليس في التاريخ الإنساني كله مقياس أصدق ولا أوضح ولا أكثر اطراداً في جميع الأحوال من مقياس حرية الفرد بين أمة وأمة، وبين زمان وزمان، وبين خليقة وخليقة، وبين تفكير وتفكير.
فإذا قابلت بين عصرين اثنين فأرقاهما ولا ريب هو العصر الذي يعظم فيه نصيب الفرد من الحرية والتبعة الشخصية.
وإذا قابلت بين أمتين في عصر واحد ولا ريب هي التي تدين بالنظم القائمة على تقرير حرية الفرد وتحميله التبعة في الساسة والأخلاق.
وهذا الفارق الحاسم هو أيضاً مقياس الفارق بين العالم والجاهل والرفيع والوضيع والرجل والطفل والرئيس والمرؤوس وكل فاضل وكل مفضول.
ولهذا كنا نحن مستقبليين لأننا ندين بمذاهب الحرية الفردية ولا ندين بمذاهب الفاشية والشيوعية، ولا نرى في واحدة منها خيراً لبني الإنسان. وقد حاربنا الفاشية والنازية في الوقت الذي كان فيه الببغاوات من أمثال ذلك الكاتب يطبلون لها ويزمرون، ويسجدون لأبطالها ويركعون، وعشنا وعاش الناس حتى رأوا ورأينا مصداق ما أنذرنا به وأكدنا وقررناه. وسنرى عن قريب مصداق ما أنذرنا به وأكدناه وقررناه في أمر الشيوعية الماركسية على الخصوص، لأنها هي المذهب الذي نحن على يقين من سوء مصيره وسوء وقعه وسوء فهمه بين أدعيائه، ليس هو الاشتراكية في صورتها الحرة المهذبة كما يغالط ذلك الكاتب الببغاوي في التسمية وهو يتعمد أو لا يتعمد التغليظ والتخليط
وقد بدرت البوادر التي لا خفاء بها فعلم الشرقيون والغربيون أن سياسة بطرس الأكبر - لا سياسة المستقبل - هي التي يترنم بها الببغاوات في هذا البلد وفي غيره من البلدان، وسيرون المزيد والمزيد من دلائل الرجوع إلى القديم في كل مسألة من مسائل الخلاف بين السلفيين والمستقبليين.
وفي مقاييس المستقبل التي لا تخطئ ولا تكذب في الدلالة على الوجهة التاريخية العامة مقياس التعاون بين الدول، أو التعاون بين الطبقات، أو التعاون بين الأفراد، فإن هذا