والمصطلحات الخاصة والتراكيب الخاصة سنة واحدة حين يكتبون في الطب أو الرياضة العليا أو الكيمياء أو القانون، ولكان عسيراً عليهم أشد العسر أن يكتبوا بالعامية مذهباً كمذهب كانت أو مذهب لمبروزو أو قصيدة كقصائد المتنبي وبيرون وشكسبير.
فإذا كانت اللغة الخاصة لازمة للمتعلم على كل حال لاستيفاء علم الطب أو علوم الرياضة أو علوم القانون فلماذا تحرم عليه لاستيفاء علوم الأدب والقدرة على التعبير الذي لا يتجاوز حدود اليوم ويصاحب الأمم الإنسانية عدة أجيال؟ ومن قال إن الإنسان يستخدم لغة واحدة حين يساوم على بطيخة أو حين يغسل القدور ويخرط الملوخية، وحين يتكلم عن غبطة النفس بالربيع وسمو الأمل بالحب ونبل الفداء في سبيل العليا؟
ما هذا الولع بالتسفل وهذا الإنكار لكل ارتفاع؟ ما هذا التمرغ في كل وضيع وهذا وضيع وهذا الحرَد الذي لا يطاق على كل شريف رفيع؟
فاللغات الفصحى لم تحفظ حتى يوم لأن الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال يتكلمونها في البيت والسوق، ولم تحفظ حتى اليوم لأنها مزية طبقة من الطبقات الاجتماعية أو مزية الأغنياء القادرين على التعليم، فإن أغنى الأغنياء كثيراً ما كانوا من أضعف المعبرين، وأفصح الفصحاء كثيراً ما كانوا من الفقراء والمعدمين. وإنما اختلفتُ اللهجتان على مدى الزمن بضرورة الاختلاف بين حياة البيت والسوق وحياة المعرفة والتهذيب التي تتجاوز حاجة اليوم إلى حاجة الأجيال
وليس إلا الحقد على كل شريف رفيع يسول للببغاوات أن يحاربوا اللغة الفصحى باسم الشعبية والشعبية منهم براء.
والمرجع بعد إلى الذوق والشعور وخصب الخيال، وهي ملكات حرمتها الشيوعية وذووها من كارل ماركس إلى أذنابه الذين لا يفقهون ما يقول، ولو فقهوه لما عظم شأنهم بين شئون النفوس والعقول.