(حول انهيار فرنسا) في الأعداد الثلاثة الماضية. بل إن التصريحات الحديثة المتكررة لمفكري فرنسا كمسيو هريو وغيره، التي يعلنون فيها تألمهم من انحطاط معنويات الروح الفرنسية وانطلاقها وراء الشهوات والمنافع الشخصية وكراهيتها للقيود المقدسة وارتدادها عن مبادئ ثورتها، وعدم فهمها لوحي الساعة ومقتضيات الظروف العالمية الحاضرة، مما تطالعنا به الصحف منذ سقوط فرنسا للآن لأكبر شاهد على أن فرنسا لا تصلح أن يكون لنا فيها أسوة ولثقافتها فينا تقليد وتأثير.
وإني لأوقن أن السر في بلبلة أخلاقنا نحن المصريين واضطراب مزاجنا بين الروح الشرقية الكريمة التي كانت لنا ولا تزال باقية في الريف، وبين ذلك الانسلاخ الشائن والتحلل البالغ في المدن إنما هو أثر من جوارنا للثقافة اللاتينية وخصوصاً الفرنسية وتأثرها بها.
وعلى ذكر مسيو (هريو) أود أن أجلو جانباً من عداوته هو الآخر للعرب وسعيه لعدم إنصافهم، وقد علمت بذلك الجانب حين كنت عضواً في (الجمعية الإسلامية الأسبانية) التي تأسست في مصر سنة ١٩٣٤ برياسة الأستاذ عبد الرحمن بك وكان من أعضائها ذلك الرجل العظيم المغفور له فؤاد باشا سليم الحجازي. ومسيو (بونسو) أحد الأسبان بمصر. وكانت أغراضها تنمية العلاقات العربية الأسبانية وتوطيد الصداقة بينها تمشياً مع تلك الحركة المشكورة التي بدأها الجنرال فرانكو لإنصاف مغاربة المنطقة التي تحت النفوذ الأسباني من مراكش والتي كان من نتائجها الشروع في تأسيس جامعة عربية في مدريد تسمى (البيت العربي) لخدمة التراث العربي في أسبانيا ويكون فيها كراسي أستاذية بأسماء ملوك العرب الذين يساهمون في معاونتها. ودعت لذلك فعلا العلامة المرحوم الشيخ الخالدي الفلسطيني والعلامة المجاهد الأمير شكيب أرسلان للبحث والمشاورة، ووعد الملك فيصل الأول ملك العراق الراحل رحمه الله بالإنفاق على كرسي فيها، وابتدأت الحركة تسير خطوات نحو النجاح. فما كان فرنسا إلا أن أوفدت مسيو (هريو) إلى حكومة أسبانيا ليحبط هذا المشروع الجليل والمسعى الكريم محذراً أسبانيا من عواقب سياسة التسامح مع المراكشيين ومبدياً مخاوف فرنسا من تسرب (عدوى) هذه الحركة إلى مراكش الفرنسية والجزائر وتونس. . . وكان لفرنسا ما أرادت ووقف المشروع.