عذر لعربي عرف أبسط مبادئ الإسلام في العدالة والحرية والأخوة والمساواة، وقرأ تاريخ الثورة الإسلامية الكبرى التي غيرت وجه التاريخ وأعلنت ووطدت حقوق الإنسان وجسدتها في أشخاص أقاموا دولا مستقرة عمرت عمراً طويلاً.
هذا إذا تغاضى الأوربي عن الوحشية التي طبقت بها هذه الثورة فكشف عن قسوة النفس الفرنسية وإسرافها في سفك الدماء، وإذا تغاضى عن تقلبات تلك الثورة وسيرها على غير هدى وعقمها عن إنتاج النتائج المستمرة التي أثيرت من أجلها كما سارت ثورات الأمم العاقلة المعتدلة وأنتجت واطردت خطوات الأمة بعدها ولم ترتد على عقبيها كارتداد فرنسا بعد تلك الثورة الكبرى.
(فليس الفرنسيون شعب التطور التاريخي البطيء ولكن شعب التغيرات الثورية الفجائية. شعب قوى الاندفاع بلا (فرامل). وخط تطوره كثير التعرج والالتواءات؛ ففي آخر القرن الثامن عشر قلبت الأمة الفرنسية الحكومة الملكية باسم الديموقراطية والحرية، ومع ذلك لم تمض سنوات حتى عادت فرنسا إمبراطورية مطلقة ثم ارتدت فصارت ملكية محافظة! ثم تحولت إلى ملكية محافظة! ثم تحولت إلى ملكية برجوازية حرة؛ ثم كانت ثورة أخرى ردت الجمهورية الثانية. ثم انقلاب حكومي أعاد للسلطة إمبراطورا. فلا توجد على هذا أمة كفرنسا في اندفاعها وتحولها وانقلابها.)
وفي العهد الأخير قبل الحرب الحالية وصلت فرنسا إلى عهد من الانحلال السياسي، والاجتماعي جعلها تتهالك لأول صدمة مع عدوها التقليدي، وتتخلى عن حلفائها وتنال من نفسها بأقلام قادتها وتدبير رجالها. وقد صدق هرست - وهو من أشهر رجال الصحافة الأمريكية - حين قال. في صحفه عقب سقوط فرنسا بتاريخ ٢٤ - ٧ - ١٩٤٠ (لم تكن فرنسا ديموقراطية ولا حليفة كبيرة ولا أهلا للنهوض بأعباء الديموقراطية، ولم تكن لها سياسة مقررة خاصة، بل كانت متقلبة في إخلاصها وحليفة لا يمكن الاعتماد عليها لبريطانيا التي تحمل المبدأ الديموقراطي الحقيقي في قرارة نفسها، ولما أقبلت الأزمة قصرت فرنسا ثم سقطت).
أما المحوران الثاني والثالث يقوم عليهما أيضاً الإعجاب بفرنسا، فقد كفاني مهمة تناولهما بالنقد الأستاذ المفكر الجليل ساطع الحصري بك الذي نشرت له الرسالة ذلك التحليل القيم