نحن في حاجة إلى برامج جديدة غير البرنامج السياسي الذي استغرق جميع جهودنا في ربع قرن من الزمان. برامج اجتماعية كاملة تؤثر في النشاط الاقتصادي والثقافي والتشريعي، وترسم له طريقاً واضحاً وهدفاً مقصوداً.
ولا يشك أحد في أن العدالة الاجتماعية مفقودة في مصر، وقد ترددت هذه الجملة كثيراً حتى أصبحت حقيقة بديهية، ومتى ثبت هذا فإن له مستلزمات: أولها أن توجد برامج حزبية معينة لتحقيق هذه العدالة، فإنه خير لمصر أن يقوم الصراع الاجتماعي فيها داخل البرلمان على يد الأحزاب - كما هو الحال في إنجلترا - بدلا من أن يقوم هذا الصراع في الشارع بلا ضابط ولا نظام!
والصراع داخل البرلمان قائم بالفعل - وإن لم يأخذ صبغة الصراع الحزبي - فالذي يراجع مضابط البرلمان في جميع العهود تبرز أمامه حقيقة معنية. فما من مرة عرض مشروع يمس رؤوس الأموال، أو ينصف بعض الطوائف الفقيرة، إلا وتغير التنظيم الحزبي السياسي أو انهار. ووقف ممثلو رؤوس الأموال من جميع الأحزاب جبهة واحدة ناسين خصوماتهم الحزبية، ووقف كذلك أنصار الطوائف الفقيرة جبهة واحدة.
فالنضال الاجتماعي موجود الآن ومنذ نشأة البرلمان المصري. فلماذا لا ننظمه في الصورة الحزبية المعروفة في برلمانات العالم الراقية، وهي الصورة المأمونة العواقب، التي تحيل هذا النضال أفكاراً وقوانين ومشروعات عملية، بدل أن يتحول حركات هدامة غير إنشائية؟
ونحن في حاجة إلى عقليات جديدة تدرك المسألة على هذا الوجه، تكون على استعداد لخلق برامج إنشائية كاملة وتنفيذها بالجرأة والحماسة الواجبتين في هذا الظرف الذي تولد به عوالم جديدة.
وأنا شديد الشك في صلاحية عقليات الأحزاب الحاضرة ورجالاتها لمواجهة مثل هذه البرامج الكاملة، فقصارى ما يفكر فيه هؤلاء الرجال هو مشروعات جزئية لا تناسق فيها ولا انسجام، ولا تربطها وحدة تفكيرية معينة.
وثمة عقبة أخرى تحول بين الهيئات الحزبية الحاضرة والاتجاه الجديد، فهذه الهيئات أجهزة قديمة صدئة لا تستطيع أن تتحرك حرة من أثقال الماضي. ومعظم رجالها في سن