الكهولة والشيخوخة ومن العسير على الكهل أو الشيخ أن ينهج في تفكيره وفي حياته نهجاً جديداً، ويدع مألوفة في خمسين عاماً أو ستين. وقليل من أفذاذ الرجال هم الذين يحتفظون برصيد من قواهم لمواجهة التجديد الكامل. ومن هنا يخالجني الشك المطلق في صلاحية رجال الجيل الماضي لمواجهة مطالب الجيل الجديد.
خذ مثلا لذلك الديوان الحكومي - وهو أقل مؤنه من الاتجاه - فالكل مجمعون على أنه جهاز بطئ الحركة، قليل الإنتاج، فاسد النظام (باعتراف ديوان المحاسبة)، فهل بين رجال الجيل الماضي من يصلح للقضاء على النظام الديواني القائم كله، وإنشائه على أسس جديدة في دفعة واحدة؟
كلهم يشفقون من هذه الخطوة الجريئة، ويخشون أن يقف دولاب العمل، وكلهم يميلون إلى السياسة الترقيع بدل سياسة الإنشاء، لأن رصيدهم من القوى العصبية لا يكفي لهذا الابتكار الكامل، ولا يصلح لمواجهة نظام مبتكر لم يألفوه في الأربعين أو الثلاثين سنة التي عاشوها في ظل النظام الديواني العتيق!
وهناك أمثلة كثيرة. . . ولكننا لا نمضي في سردها لأنها ليست علة بذاتها، وإنما هي أعراض لعلة أصيلة؛ هي عدم وجود سياسة إنشائية مرسومة، قائمة على تحقيق العدالة الاجتماعية وتجديد المجتمع المصري تجديداً كاملا في شتى الاتجاهات
وهذا التجديد الكامل في حاجة إلى عقلية لا ماضي لها! في حاجة إلى عقلية إنشائية مبتكرة، تنفر من أنصاف الحلول، وتشمئز من منظر الترقيع في الثوب البالي القديم!!
ونحن - إذن - في حاجة إلى أحزاب جديدة ذات عقلية إنشائية إلى المجتمع المصري على أنه وحدة كاملة، وترسم لإنشائه وتجديده سياسة جريئة حازمة متناسقة، موحدة الروح في شتى الوزارات والدواوين والإدارات، وتتفاضل فيما بينها بالبرامج الاجتماعية الشاملة التي تعالج بها المجتمع المصري المريض
وإذا قلت البرامج الاجتماعية الشاملة، فإنما أعني الاقتصاد والثقافة والتشريع بوجه خاص.
فمن الناحية الاقتصادية نحن مجمعون على سوء توزيع الثروة العامة وعلى ضآلة الثروة القومية. أما الوسائل لمعالجة هذين النقصين فقابلة للاختلاف بين الأحزاب.
والبرنامج الاجتماعي الذي يعالج هذه الظاهرة لا بد أن يكون ذا أثر الاتجاهات الثقافية،