متباعدة ليعبر بها عن حاجاته، فالحاجات أسبق من اللغة المعبرة عنها، والقول بأن اللغة وليدة المجتمع ومرآة لحياته أصدق من الزعم بأن المجتمع وليد اللغة وصورة منها.
فقد نهض المسلمون أولا، وبسطوا سلطانهم على الشرق والغرب، ثم تأثرت لغتهم بحياته الجديدة فاتسعت ومرنت وحدث فيها ثقافات لم تكن لهم من قبل.
ونهضت مصر والشرق العربي في هذا العصر، ثم اتسعت اللغة بما طرأ عليها من فنون، استجابة لهذه النهضة.
ومن ذلك أننا الآن نترجم ونؤلف ونضيف إلى اللغة مصطلحات جديدة في الطب والقانون والاجتماع والاقتصاد والكيمياء وغيرها، أفنحن استجبنا لروح النهوض ثم استخدمنا اللغة لتحقيق هذا النهوض، أم أنا كنا نعرف هذه المصطلحات وهي التي أوحت إلينا بهذا النهوض؟ لاشك أن اللغة هي التي خضعت لحاجتنا وتأثرت بنهضتنا.
ولو صدقنا الزعم بأن اللغة هي الخلاقة والفعالة لكانت النتيجة الطبيعية أن سكان الهند وجنوب إفريقية الذين يتكلمون بالإنجليزية، وسكان تونس والجزائر الذين يرتطنون بالفرنسية - في صف واحد مع الإنجليز والفرنسيين، لأن اللغة هي اللغة.
ثم ما للشرق تخلف عن ركب الحياة بعد أن كان الرائد والقائد، ولغته هي لغته إن لم تكن قد زادت ثروة من الكلمات والتعابير وسعة في الخيال؟
وما لنا نرى كثيرين جداً من المثقفين الدارسين لأكثر من لغة يتنكبون الفضيلة وهم على علم بما يقترفون؟ ويعدون صوالح أمتهم وأنفسهم وهم على بينة أنهم عادون؟ إن كانت اللغة هي الحافز والملهم فلماذا لم تحفزهم إلى الخير وتلهمهم نوازعه.
إن اللغة لا تحفز إن لم يكن خلقها رصيد من قوة الخلق، وسمو الروح، والطموح إلى مثل أعلى، أما اللغة وحدها فزجاجات مغلقة على معان لا ينتفع بها إلا من يتذوق مراميها، ويفقه معانيها ولو كان الشأن للغة وحدها لسما كل من حفظ كلمات: المجد، والشهامة، والمروءة، والنجدة، والعزة الخ.
(٢)
(يجب أن نذكر أن كثيراً من توجسنا من الحب واختلاط الجنسين يرجع إلى أننا نستعمل كلمات الحشاشين سوء أكانت فصحى أم عامية في وصف هذه العلاقات الجنسية بدلا من