طبيعي لا تكلف فيه. كانوا منهمكين في ترتيب حقائبهم التي انقلبت في طريق ضيق فأخذوني خادماً لهم. كانت الحياة مع هؤلاء جنة حقا فهم لا ينفكون يغنون ويأكلون ويقصفون ويطوفون في آن واحد. وحياة الأنبياء ما كنت أحسبني أعيش قبل ذاك، فقد أصبحت من أمرح الناس طراً؛ وكنت دائم الضحك لسبب أو لغير سبب. ولقد أحبوني كما أحببتهم وكان لي، كما ترى، شأن كبير ولكني على فقري، لم أكن معتدلا في حياتي.
(إن حياة التشرد كما أسلفت أحب إلي من كل شيء في العالم. فاليوم حر وغدا قر، واليوم عسر وغدا يسر. آكل متى وسعني الحصول على الطعام؛ واشرب (القدح فارغ) متى وجدت الخمر إزائي. لقد وصلنا (تنتردن) ذلك المساء فاستأجرنا غرفة واسعة حيث عزمنا على إخراج رواية (روميو وجولييت) فقام بدور (روميو) أحد الممثلين من مرسح (دروري لين) وقامت بدور (جوليت) سيدة لم يسبق لها الظهور على المرسح، بينما أخذت أنا على عاتقي إطفاء الشموع. كان التمثيل بالنسبة لنا، رائعاً على الرغم مما كان ينقصنا من وسائل، فإن الثوب الذي كان يرتديه (روميو) كنا نقلبه على بطانته الزرقاء فيصلح لباساً لصديقه (مركوتيو) وأن قطعة من (الكرب) كبيرة كانت تكفي في آن واحد فستاناً (لجوليت) وغطاء للنعش. ولم يكن لدينا ناقوس فاستعضنا عنه بهاون استعرناه من صيدلية مجاورة ثم جمعنا عائلة صاحب الدار فدثرناهم بملاءة بيضاء لإكمال الموكب. وقصارى القول، لم يكن ثمة سوى ثلاثة ممثلين نستطيع أن نقول بأنهم كانوا يرتدون ألبسة لا غبار عليها وهم الممرضة والصيدلي الجوعان وأنا. كان التمثيل، كما قلت، رائعاً؛ ولقد هتف لنا الجمهور طويلا، ولا عجب، فإن لسكان (تنتردن) ذوقا.
فإذا أراد الممثل الجوال لنفسه النجاح فما عليه - على حد تعبيرنا - إلا أن يبالغ في محاكاة الشخصية التي يقوم بتمثيلها. ذلك لأن مراعاة الدقة في الكلام والحركة ومحاولة إبراز الشخصية على صورتها الطبيعية لا يسمى تمثيلا ولا هو مما يأتي الناس لمشاهدته. أن الحوار الطبيعي الذي لا تكلف فيه هو كالسلاف الحلو المذاق ينحدر إلى الحلق بسهولة دون أن يترك وراءه طعماً، على حين أن الإمعان في المغالاة والمبالغة كالخل يثير الإحساس ويشحذ الذوق ولا يشعر به إلا شاربه. وعليه فإن رمت إرضاء الناس وجب عليك أن تصرخ وتتلوى وتتنطع بكلامك وتضرب جيوبك وتظهر أمام النظارة كأنك تعاني