للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحمد لله ناكر للجميل إلى هذا الحد. ولكن لما كنتم قد تفضلتم علي بنشر اسمي في الإعلانات، وتلك منه لن أنساها ما حييت، فلا يسعكم والحالة هذه الاستغناء عني، ولذلك فإني أرجو أن تدفعوا لي جعلا أسوة بكم، وإلا عدت إلى دوري القديم وهو (إطفاء الشموع). لقد كان هذا الاقتراح شديد الوطأة عليهم، ولكن لابد مما ليس منه بد، فأذعنوا وأنوفهم في الرغام. فلما حان الوقت ولجت المرسح في ثياب الملك (بجازات) وحاجباي المقطبان قد شد طرفاهما بجورب دس في عمامتي ويداي المغلولتان تلوحان بالسلاسل. لكأن الطبيعة قد اختارتني لهذا الدور فقد كنت مديد القامة جهوري الصوت، وإن مجرد دخولي المرسح أثار عاصفة من الهتاف والتصفيق، فدرت بنظري على الجمهور مبتسما وانحنيت أمامهم انحناءة كاد فيها رأسي يلمس الأرض، فتلك عادة شائعة بيننا. ولما كان الدور عاطفياً للغاية، فقد أنعشت نفسي بثلاثة كؤوس ملآى (الكأس موشكة على النفاد) من الكونياك. لله ما أروع الدور الذي قمت به! إن (تامرلين) يكاد يبدو ضئيلا بجانبي، وهو وإن كان صوته يرتفع أيضاً في بعض الأحيان، إلا أن صوتي كان يعلو عليه، كان لي ثمة مواقف كثيرة مجيدة، منها أني كنت أطوي يدي هكذا فوق سرتي، وهي عادة مستحبة في (دروري لين) وإذ أنا رحت في تعداد مزاياي لنفذت الكأس قبل أن أنتهي من سردها. وقصارى الكلام، إن تمثيلي كان أعجوبة الأعاجيب مما جعل أعيان البلد من الرجال والنساء يتهافتون على بعد انتهاء التمثيل لتهنئتي على نجاحي الباهر، فمنهم من مدح صوتي، ومنهم من أثنى على قامتي، ولقد سمعت امرأة العمدة تقول: (أقسم لكم بشرفي إنه سيصبح من أقدر الممثلين في أوربا، أقول ذلك عن علم ودراية، وإن لي في هذا الفن لذوقاً).

(إن المديح الذي يغمرنا به الناس في أول عهدنا بالتمثيل شيء طبيعي ومقبول ولا يقصد منه سوى التشجيع، ونحن نتقبله شاكرين، ونعده فضلا منهم علينا، أما إذا استمر المديح وكثر فنحن والحالة هذه نعتبره ديناً لنا عليهم نتقاضاه منهم بمقدرتنا ونبوغنا، وعليه عوضاً عن أن أشكرهم كنت في داخلي أثني على نفسي. ولقد طلب إلينا الجمهور إعادة القطعة للمرة الثانية فأجبناه إلى طلبه، وكان نصيبي من الثناء أكثر من ذي قبل

وأخيراً تركنا المدينة لنحضر سباقاً للخيل، وسوف لا أذكر (تنتردن) إلا انهمرت من مآقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>