للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دموع الامتنان والاحترام، ذلك أن السيدات والسادة هناك كانوا على جانب عظيم من الدراية بالتمثيل والممثلين. هات لنشرب، نشدتك الله نخب صحتهم؛ قلت تركنا المدينة، ولقد كان ثمة فرق عظيم بين دخولي إليها وخروجي منها، دخلت المدينة ممثلا حقيرا وخرجت منها بطلا كبيرا، تلك هي الحياة، تقبل يوماً وتدبر يوماً، وإن شئت لتوسعت في الموضوع ولذكرت لك شيئاً كثيراً عن تصاريف الزمان وتقلبات الأيام، ولكن ما لنا ولهذا، فإن إثارته، إثارة لكامن شجونا.

(انتهى السباق قبل أن نصل المدينة الثانية التي خذلتنا جميعاً، ولكن ليس من السهل قهرنا، ذلك أننا عزمنا على أن نجرب حظنا عسى أن نظفر منها ببعض الذي ظفرنا به في المدينة الأولى. وقمت أنا بالأدوار الرئيسية وارتفعت فيها إلى الذروة كالعادة. وإني لا أزال أعتقد لو أن ملكاتي أعطيت ما تستحقه من العناية والرعاية لأصبحت اليوم من أبرز الممثلين في أوربا، إلا أن عاصفة هوجاء اقتلعتني من مهدي وردتني إلى مستوى الغوغاء، كنت أمثل دور السير (هاردي ولدير) فأدهشت السيدات ببراعتي وأطربتهن. فإن أنا أخرجت علبة النشق ضجت القاعة بالضحك، وإن أنا لوحت بهراوتي في السماء سرت في النظارة قشعريرة الخوف والفزع.

(وكان ثمة سيدة سبق لها أن تثقفت في لندن لمدة تسعة أشهر فأخذت تزعم لنفسها الإلمام بالمسائل الفنية مما جعلها قبلة الأنظار في أي محفل حلت. ولقد أخبروها عني وعن موهبتي ولكنها رفضت، أول الأمر، الذهاب لمشاهدة تمثيلي، زاعمة إنها لا تتوقع من ممثل جوال ضئيل الشأن مثلي أن يجيد التمثيل. ثم مالت بالحديث إلى الممثل الذائع الصيت (كاريك) فأطرته وعددت مزاياه وأدهشت السيدات بنبراتها العذبة وصوتها الرصين. ولقد أقنعوها آخر الأمر بمشاهدتي، وترامى إلي سراً أن جهبذة من أبرز جهابذة العصر في شئون المرسح ستحضر الحفلة المقبلة، ولكن ذلك لم يخفني فظهرت في ثياب السير (هاري) واضعاً يداً في جيب البنطلون والأخرى على صدري، كما هي العادة في (دروري لين). إلا أن النظارة، عوضاً عن أن ينظروا إلي، اتجهوا بأنظارهم إلى السيدة التي قضت تسعة أشهر في لندن، ليتلوا حكمها الذي إما سيرفعني إلى مصاف النابغين من الممثلين أو سيضعني إلى الحضيض. أخرجت علبتي، فأخذت منها نشقة، ولكن السيدة لم تحرك ساكناً

<<  <  ج:
ص:  >  >>