سباقة، يوم هوت تحت السنابك (باريس)، وقام كتاب (منا. . .) يبكونها، وما يبكون إلا لذات لهم فيها محرمة فقدوها، ومفاسق خسروها، وكنا وكان سيف فرنسا العادية مسلولا علينا، فكتبت في الرسالة (٣٦٨) في ٢٢ يوليو ١٩٤٠ كلمة قصيرة ولكنها كان الرمح لا يضره مع مضائه قصره، صغيرة ولكنها كالقنبلة إذا تفجرت دمرت، ولقد شرقت شظاياها وغربت فأصابت فيمن أصابت مستشار المعارف الفرنسي، حملها إليه بعض (الأذئاب. . .) ممن تبدل اليوم لأن الدهر تبدل ودار. فدعاني وكان بيني وبينه كلام لو أنا نشرته خفت ألا يصدقه من لا يعرف قائله، من القراء، لا أقول ذلك فخراً ولكن ليعلم الناس، أنا - بني الشام - ما ذللنا قط ولا خنعنا، ولا أخافتنا فرنسا يوم كانت فرنسا وكان لها في الأرض سلطان، وبين الأعزة الأقوياء مكان!
ولئن فاتني الكلام في (حادث الشام) فما فاتني أن اكتب (على هامشه). وإن لديّ صوراً، وإن في يدي عبراً، إذا وفق الله وواليت نشرها في الرسالة، اجتمع منها كتاب. ولست أعيد ما قاله الكتاب، ولا أحب أن أعرّف المعروف. ولقد فرغ الناس من الحكم على فرنسا ومدنيتها، وخرشت ألسن كانت تسبح بحمدها، وتمجد حضارتها، وما تحمد منها (وآباء القراء) إلا مطارح الهوى الفاجر، ومسارح الفن الداعر، وجفت أقلام كانت في أرضنا (جيشاً خامساً) وما حديث الجيش الخامس ببعيد. . . فلم يبق إلا أن نسوق صوراً لا يراها إلا القريب المشاهد، وعبراً لا ينتبه لها إلا الرقيب المفكر، وأن ننذر قومنا يوما أشد، وخطباً أعم، إذا لم يقطعوا أسبابه، ولم يغلقوا بابه. . .
وإن أول ما ينبغي أن نخرج به من هذا الذي كان أن نعلم إن الله عادل لا يصيب قوماً إذا بما قدمت أيديهم، وإن من بديع صنعه لهذه الأمة أن يبعث لها هذه الشدائد تبينها من غفلتها كلما غفلت، وتوقظها إذا نامت، وإن من أسرار هذه العربية أن الابتلاء هو الامتحان، وأن الله يمتحننا ليرى الفوز في الامتحان أم نكون من الخاسرين. . . فتعالوا يا إخواننا نحاسب أنفسنا وننظر من أين أتينا؟
أما أنا فلقد فكرت فرأيت أن الذنب ذنبنا ما هو بذنب الفرنسيين، وانك أن عانقت الحية فلدغتك فما تلام الحية بل تكون أنت الملوم، إن الفرنسيين قد جروا على سنتهم، واستجابوا لطبيعتهم، ففاض إناؤهم بالذي فيه، وما فيه إلا الطيش والحرق والغرور والتبجح وعشر