أخر من هذه الصفات، ولقد بلوهم ربع قرن فما رأينا من حضارتهم إلا البارود والنار وآلات القتل والدمار، ولا أبصرنا من فنهم إلا الفسوق والعرى والاستهانة بالعرض وإضاعة الذمار، ولا شاهدنا من قوتهم إلا العدوان على الأطفال والنساء والعجائز الكبار، ولقد طالما تبدلت عليه الوجوه، ولكن السنَّة السنَّة، والطبع الطبع، كل في الحماقة سواء.
ولكنا مع ذلك واليناهم وقد نهانا الله عن موالاتهم، وقلدناهم وقد منعنا ديننا من تقليدهم، وتركنا بياننا لرطانتهم وفضائلنا لأزيائهم، وشريعتنا لقوانينهم، ومساجدنا لملاهيهم، والقادسية لأوسترلتز، ومكة لباريس؟
نحن أعطيناهم هذا السلاح الذي قاتلونا به: جاءونا بالخمور تهرئ أمعائنا، وتمزق أكبادنا، فشربناها ودفعنا الثمن. وجاءوا بالكتالوجات فيها الأزياء العارية التي تذهب فضيلتنا، وتفسد شبابنا وبناتنا، فعملنا بها وتركنا لها قرآننا ودفعنا الثمن. وجاؤو بالأرتستات يخربن بيوتنا، ويمرضن جسومنا، ويسممن أرواحنا، فهبطنا على أقدامهن ودفعنا الثمن، وجاءونا بكل بلية فيها الأذى وفيها الهلاك، فدفعنا الثمن، فأخذوه فجعلوا منه دبابات وطيارات ثم أتوا فقالوا هذا لجيشكم السوري. أليس جيشكم قلنا: بلى، وهل في ذلك شك. قالوا: هاتوا ثمنه فدفعناه مرة ثانية، فقاتلونا بسلاح شريناه نحن ودفعنا ثمنه مرتين!
نحن أعطيناهم الجنود الذين حاربونا بهم: أبناؤنا، قلنا لهم خذوهم وخذوا بناتنا فعلموهم في مدارسكم، ونشئوهم على مبادئكم، واستعمروا عقولهم كيف شئتم، فجعلوا من أبنائنا عدواً لنا، يا أيها القراء في مشارق الأرض ومغاربها اعلموا أن الذي ضرب الشام بالمدافع (بأذن أوليفا روجه وأمره) إنما هو رجل شامي ومسلم وابن شيخ واسمه (علاء الدين الإمام)!
فهل استيقظنا؟ إذا لم توقظنا هذه المدافع المدوية، إن لم ينبهنا لذع النار، فما والله يوقظنا شئ؟
هل علمتن يا آنساتي ويا سيداتي الآن. أن هذا (الكتالوج) إنما هو (ديناميت) أن احتفظتن به في دوركن دمر الدور وأهلها؟ وإنكن حين تكشفن عن شئ من مواطن الفتنة في أجسامكن إنما تكشفن للعدو قلعة من قلاع الوطن، لأن كشفها يفسد أخلاق الشباب فتذهب رجلوتهم ويفقدهم روح الكفاح ويشغلهم عن الحرب بالحب؟ وإن هذا الأحمر على خدودكن وشفاهكن إنما هو دم الشهداء، لولاه ولولا أشباهه ما تمكن لعدو منا. وما كان ليغلبنا لولا أن