لم يكن في طاقة الإنسان أن يتصوره بوسيلة من الوسائل، وأنه ليؤمن بهذا لا عن طريق المنطق الذهني، ولكن بالبداهة، وبالصلة الخفية بين الإنسان المحدود والإله غير المحدود. تلك الصلة التي يعتمد القرآن على إيقاظها في الحس كالومض السريع فيؤمن المؤمن ويستريح! ولو عهد بها إلى الذهن لما استطاع تصورها كما يعترف الأستاذ عبد المنعم.
(ج) وعن مسؤولية الآلهة. أفلا يرى الأستاذ أن كلامه لا يثبت شيئاً ولا ينفيه، فمسؤولية الآلهة أمام عبادها هي مسؤولية نظرية من جانب واحد، لا تحفل بها الآلهة ولا تجيب سائليها. وكثير من الناس يحاكم الله مثلها - والله تعالى عنها - ولم يذكرها القرآن للجدل هنا. ولكن ذكرها للتقرير والتأثير الوجداني بهذا التقرير.
(د) ثم الدليل التاريخي كما يراه في (هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) فلو سرنا في الاستدلال على طريقة الأستاذ عبد المنعم لقلنا: إن هؤلاء القوم لم يؤمنوا إلا بهذا الذكر ولا يذكر من قبله. فكيف يحاسبون بما لم يؤمنوا به، وهو نفسه موضع الجدل؟
إن القرآن يا سيدي لم يرد الأمر على النحو الذي تريد. . . وأنه لأفطن للنفس البشرية وأعرف بدروبها ومسالكها، وأنه ليأتي هذه النفس من منافذها الواسعة جميعاً، لا من كوة الذهن المحدود وحدها هذا، الذهنِ الذي يعجز عن تصور صفات الإله لو عهد بها إليه! وإن في كل نفس بشرية - ما لم تفسد فطرتها - لمنافذ ومسارب تصلها بالحقيقة الأزلية الكبرى، والأديان وحدها هي التي تلتفت لهذه المنافذ والمسارب جميعاً، فتصل الناس بالخالق في يسر جميل، معتمدة على البداهة والبصيرة والحس والوجدان وسائر القوى الإنسانية ومن بينها الذهن الذي هو إحدى هذه القوى وبعدها جميعاً فلا نكبر من قيمة هذا الذهن المحدود، ولا نتجاوز به الحدود. . . والسلام: